أتذكر في عام 2009، جاءني ايميل من قبل إحدى صديقاتي في الجامعة وكان عبارة عن رابط وعند محاولتي للدخول إلى هذا الرابط لمعرفة ماذا في داخله؟ ظهرت لي خانات يجب علي ملئها للوصول إلى محتوى الرابط نفذت ما طُلب مني وكانت عبارة عن الاسم والايميل وتكوين رمز أمان خاص بي حسب ما أتذكر، وتمت العملية بنجاح ومن ثم طلب مني وضع صورة رمزية واخترت في وقتها صورة لا على التعيين وكلي شوق في الدخول إلى خلف هذه الأسوار ومعرفة ماذا في داخلها.
وماهي إلا ثوانٍ قليلة ووجدت نفسي أدخل إلى عالم جديد مزدحم يملأه الضوضاء، رأيت في بداية دخولي اسم القرية التي أنوي الدخول إليها، كانت تحمل عنوان "الفيس بوك"، استغربت هذا الاسم واستغربت البرنامج أكثر فكلما أدخل وأتصفح به كلما تكثر علامات الاستفهام في مخيلتي وزاد خوفي ورهبتي من هذا البرنامج الذي جعلني أحس بشعور غريب، أحسست وكأنني عارية الحجاب وسط هؤلاء الناس، أصبحت الشاشة قريبة جدا علي أو بأصح العبارة دخلت وسط الشاشة ورحت أتجول بين الناس واستمع إلى قصصهم، طبعا التطبيق في وقته لم يكن بالتطور الملحوظ الذي ينعم به الآن، ولكن بوقتها لم أحبه وشعرت بالخوف الكبير وخرجت منه مذعورة.
لم أكن اتوقع بوقتها أنني سوف أعود إلى هذا البرنامج وسيكون البرنامج الالكتروني رقم واحد في بلدي والذي يستقطب جميع شرائح مجتمعي أطفال وكبار وشباب.. ومتاح بجميع الأوقات وفي هواتفنا النقالة. لم اتوقع أن هذا البرنامج سيجعل حياة الناس أمامنا عبارة عن نافذة مفتوحة أو مسرح أبطاله يمثلون حياتهم الاعتيادية يستعرضون مشاكلهم ومشاعرهم وأسرارهم أمامنا ونحن نتفرج من غير أن ندفع تذكرة الدخول أو حتى نستأذن منهم فهو متاح للجميع.
لم يخطر ببالي أن هذا البرنامج الصغير سيلغي العديد من التقاليد الكبيرة والأعراف الرصينة، فبات كل شيء بلا معنى في وسط هذه القرية الصغيرة الحجم والكبيرة المحتوى، كل شيء مستهان به حتى حقوق الانسان مستهان بها.. لا أبالغ في كلامي ولكن هذه الحقيقة والحقيقة عندما تقال يكون أثرها كبير وصداها خشن.
فبعد أن كانت والدتي تصرخ علي إن دخلت غرفة أخي بدون استئذان.. أصبحت اليوم حياتنا متاحة للجميع وبدون أدنى استئذان... وأصبح كل شيء مكشوفا أمام الأنظار؛ الطعام وأجزاء المنزل والمشاكل وغرفة النوم التي في عرف تقاليدنا تعتبر خطا أحمر أصبحت بكل تفاصيلها ومحتوياتها أمام الجميع.
أصبحنا مجتمع عاري الأفكار وفقير من كل شيء حتى من الانسانية، نفكر بتصوير شخص يحتضر حتى ينشر على صفحات الفيس بوك ولكن لا تستهوينا فكرة مساعدته وهو في آخر أنفاسه!، نذم شخص قد أخذنا له صورة فوتوغرافية وهو يضرب طفل ولكن انسانيتنا لا تسمح لنا بإنقاذ الطفل من يده!، كل هذا نجده في الفيس بوك، في هذا البرنامج الذي بات الناس به يتسابقون لنشر فضيحة شخص ما حتى يكون الأول في نشر هذا الخبر والحصول على تعليقات واعجابات أكثر..
ليس هذا فقط بل أصبح هذا البرنامج مقر للمجرمين حتى يتم استقطاب نوع الجريمة وشكل جديد لارتكاب جرائمهم الرخيصة، فكل مجرم قبل أن ينوي ارتكاب جريمة ما يتصفح على صفحات الفيس بوك لأخذ فكرة معينة.. حيث ترى الجرائم بأنواعها وأكثرها بشاعة منتشرة حتى أصبح الناس ذوي قلوب متحجرة ليس بها ذرة مشاعر من كثرة هذه المناظر وبشاعتها، يوم أم تقتل اطفالها ويوم نرى أب يحرق أبناءه وجار يغتصب ابن جاره الصغير، العديد من القضايا والجرائم تقشعر لها الأبدان.. كلها في متناول يدك وبطرق متنوعة للطرح؟.
ولن أتكلم عن النصب والاحتيال الذي أصبح شيئا معتادا عليه في الصفحات الوهمية، يوميا نسمع آلاف من حوادث النصب في الفيس بوك بأساليب وقصص مختلفة حتى انعدمت الثقة بجميع الأصدقاء الغرباء على الرغم من أن هدف البرنامج هو جعل العالم قرية صغيرة لتبادل الثقافات وتقارب الشعوب التي تجمعهم الانسانية من خلال التواصل الاجتماعي، ولكن مع الأسف فقد استخدم لأغراض النصب والابتزاز والجرائم وأصبحت سيئاته تفوق ايجابياته أو بأصح العبارة تركنا الجانب المشرق فيه والتزمنا بالجانب المظلم.
هل السبب في البرنامج أم مجتمعنا يشتكي من هذه السطحية وقد فضحها برنامج الفيس بوك.. هل مجتمعنا هش لهذه الدرجة التي برنامج بسيط كبرنامج الفيس بوك يجعله يتخلى عن كل مبادئه وأعرافه فقط ليحصل على اعجابات أكثر، هل مجتمعنا لا يمتلك أمور جيدة وشخصيات راقية حتى يفتخر بها في صفحات التواصل الاجتماعي وبوجه الخصوص الفيس بوك، أم باتت الشخصيات الهزيلة والمهزوزة تستهوي شريحة مجتمعنا وعلى الخصوص شبابنا؟ هل سيستمر الأمر هكذا وبدون قانون أو على الأقل رقابة توضع على هذه الشاشة الصغيرة؟ أم ستترك الأبواب على مصراعيها ويدخل كل من هب ودب إليها؟.
هل ستبقى علامات الاستفهام مبهمة على هذه السلوكيات الغير أخلاقية في أـكبر برنامج تواصل اجتماعي في العراق الفيس بوك؟ أم ستكون هنالك نقطة نهاية لها؟.
اضافةتعليق
التعليقات