نهاية الطغاة تبدأ من الصرخة الأولى للمظلومين ومظاهرة أهل البصرة التي أُطلق عليها (ثورة الجياع) مظاهرة عفوية للمطالبة بحقوقهم المشروعة ألا وهي الماء، والكهرباء، والبطالة فالأهداف لكل الثورات تنبع من منطلق واحد ألا هو ظلم الحكام وفسادهم وسوء الأحوال المعاشية للفرد.
لطالما خرج المواطنون بمظاهرات سلمية بانين عليها آمال لتحقيق مطالبهم في يوم ما، وخاصة محافظة البصرة المنتجة 80%من نفط العراق والتي تعاني من تَردي الخدمات وخاصة الكهرباء وَعدم توفر الماء العذب للشُرب، وأعداد الشَباب الكثيرة العاطلة عن العمل.
مطالب مشروعة، وَخدمات مَسروقة، وكثرة الأمراض وعدم توفر العلاجات وغلاء أسعار الادوية، وبطالة مَقيتة.. هَدمت آمال الشباب في الحياة، وَقتلت فيهم روح المواطنة الحقة، فأغلبية المتظاهرين هم فئة الشباب الذين يطالبون بفرص عمل لكي يوفروا لعوائلهم لقمة العيش.
أوجه التشابه بين ثورة الجياع الفرنسية وثورة أهل البصرة لقد عرف التاريخ ثورات عظيمة تركت أثرا عظيماً في التاريخ البشري، وأحدثت تغيراً لدى شعوبها وحققت أهدافها، على نقيضِ ثورات الربيع العربي التي انتهت بالفشل ومن السيء إلى الأسوء، جاءت بحكوماتٍ هشة وشتت نسيج الشعب، وفرقتهُ بتعدد الأحزاب.
اذ كان اندلاعُ فكر (الأنوار) في القرن الثامن عشر والتاسع عشر قد غَزا الأمم الأوربية من فرنسا إلى إنجلترا ثم روسيا.
وقد حول "فكر" الأنوار فكر اوربا كله، وغير طريقة تفكيرها لِتشتعل في أجساد الأوربيين نارَ الغضب على الوضع المُزري الذي كانوا يعيشون تحت وطأتهِ، فخرجوا في انتفاضات غيرت مجرى التاريخ.
وكانت الثورة الفرنسية مثالاً لتلك الثورات، وبدأت ترسمُ طريقاً جديداً للبشرية.
ومن أسباب الثورة الفرنسية: الفقر، والأمراض والأوبئة الخطيرة التي كانت تنهش فرنسا.. والحاشية الباذخة تستمتع بحياة الرفاهية في قصر" فرساي"، بين الأقطاع والكنيسة ورجال الدين الذين يسيطرون على كل شيء.
وفي يوم 14من يونيو/ حزيران سنة 1789 بدأت ثورة دموية غيرت التاريخ برمته، ولكن من رحم التخبط ولدت جمهورية فرنسا وموجة من التغيير الديمقراطي أجتاحت العالم دون إستثناء، وكانت هذه الثورة مرحلة حُتمت على الشعب الفرنسي المرور منها لبزوغ فجر جديد، ورغم مرور سنين طويلة على تلك الثورة والتجربة التي عاشها الشعب الفرنسي نسجت خيوط وحدت الشعب الفرنسي فهم يعيشون بسلام وحرية حتى هذه اللحظة.
هل ستحقق ثورة الفقراء أهدافها؟
بين الحين والآخر يشهد الشارع حراكا وتظاهرا جماهيريا للتنديد بالمفسدين وتلبية مطالبهم، ولكن سرعان ما تخفق هذه المظاهرات وتنتهي بأفول الغروب ليرجع كل متظاهر الى بيته يُجر بأذيال الخيبة لعدم تلبية تلك المطالب التي خرج مطالباً لها وتحمل أعباء مسؤوليتها، وقد يتعرض بعضهم للأعتداء او يزج بهم في السجون، او حتى يدفع ثمن حياته في سبيلها!.
السبب الاول: عدم ايجاد حلول جذرية للمشكلة، من قبل الحكومة، وتهميش طلبات المتظاهرين.
السبب الثاني: تطور المظاهرات وخروجها من السلمية الى الفوضوية، قد يكون السبب الرئيسي في فشلها والتخريب والتعرض الى الممتلكات العامة ودوائر الدولة يؤدي الى تدخل القوات الامنية المكلفة لحمايتها، وهذا يتسبب بمواجهة مع المتظاهرين.
التجارب المريرة التي لازلنا نعاني منها والى يومنا هذا بسبب تخريب ممتلكات البلد وبعد سقوط النظام وخاصة محطات توليد الطاقة الكهربائية والدوائر الخدمية الأخرى نعاني من عدم اعمارها حتى هذا اليوم، فللممتلكات العامة والتي هي بالأساس هي ممتلكات المواطن أنشأت لخدمة الصالح العام، ولكن عدم ادراك بعض المتظاهرين بهذا الأمر وحماسة بعض المتظاهرين سبب الأعتداء على تلك الممتلكات وهذه الأعمال التخريبية تؤدي الى موت أهداف المظاهرة ومطالبها المشروعة قبل تحقيقها.
نحن نريد أن نبني ولانهدم، ومع حق التظاهر السلمي والمطالبة بالتغيير ونصرة شباب العراق المظلوم، ولكن مع الحفاظ على بيت العراقيين، ونحافظ على وحدة نسيج البلد والحرس الأمني، ومنتسبي الأمن الداخلي ابناؤنا وأفراد القوات المسلحة ايضا ابناؤنا.
واجبهم حماية الممتلكات العامة ودوائر الدولة والحفاظ عليها لذلك كان من المفروض عدم التصادم مع تلك القوات.
لذلك التظاهر السلمي المنسق وعدم انجرار جميع الأطراف الى العنف يحقق أهداف المتظاهرين.
بالإضافة الى الحرص من المندسين الذين يصطادون في الماء العكر، أن الله زرع في قلب كل أنسان رغبة في ان يعيش حراً، وحينما يتحطم هذا الحس بواسطة طغيان مضى لعقود لسوف ينهض مرة اخرى.
لذلك يجب ان نجد حلولا جذرية وليست ترقيعية منذ السقوط وحتى يومنا هذا.. حكومة تتبع تولي حكومة.. لم يشهد خلالها أي تقدم سواء في الخدمات او تحسين الحالة المعيشية للمواطن أو في مجال توفير الكهرباء أو الماء.
الحقيقة أثبتت كل الحكومات التي تولت دفة الحكم بعد السقوط فشلها في حل جميع الازمات التي مرت على البلد سواء الخدمية منها أو السياسية، فأصبح تفشي الفساد في كل الوزارات ودوائر الدولة.
وأصبح كل عراقي يدرك أن الحل الوحيد لحل هذه المشاكل هو أيجاد الحلول الجدية والشروع بتنفيذها، ومحاسبة المفسدين الذين كانوا السبب في هدر المال العام، لأن الحلول الوقتية لم تعد مجدية فالشارع العراقي لم يبقَ على سابق عهدهم فالشعب اصبح مدركاً أن السياسيين والأحزاب هم السرّاق للبلد، تلك الوجوه التي تسببت بثقل وأعباء الحياة المريرة للعراقيين، وإن خمدت اليوم نيران المتظاهرين، قد ينفجر بركان من الغضب الذي لانهاية له، وأختم بقول للأمام علي عليه السلام اذ يقول: (إحذر صولة الكريم اذا جاع واللئيم اذا شبع).
اضافةتعليق
التعليقات