الاعلام هو رسالة قبل كل شيء.. ولا يمكن لأي جهة تحرز انتصارا يُذكر، ان تديم زخم معركتها من دون توثيق تلك الانتصارات... والاعلام هو وحده القادر على توثيقها وحفظها للأجيال القادمة، ومن حق تلك الاجيال ان تتعرف على سيرة السلف المجاهد.. الذين دافعوا عن العقيدة وقدموا ارواحهم رخيصة من اجل أن تبقى كلمة الله هي العليا.
أما اذا تقاعس الاعلام عن أداء مهماته، فسيأتي الاخرون لتزييف الحقائق واظهار الامور على غير وجهها.. حينها ستضيع كل المنجزات القائمة وتهدر دماء الشهداء الابرار، من هنا فالاعلام سلاح فتاك لا يستغنى عنه.
وحوادث الايام وطوارق الحدثان كلها بلا استثناء تندثر وتتلاشى مع مرور الوقت.. وسيكون مصيرها النسيان، إلا واقعة الطف الدامية، فهي تشذ عن هذه القاعدة، وتخرج من افق النسيان الى رحاب الحضور والتميز، وتجدد نفسها باستمرار في كل موسم عاشورائي يمر بالامة.
والخلود الذي اعطي لهذه الثورة المباركة، لم يأت إلا تتويجا وتثمينا لتضحيات الامام الحسين عليه السلام واصحابه الكرام رضوان الله عليهم اجمعين.
امر الخلود هذا تنبأت به اعلامية الثورة واقصد بها السيدة زينب سلام الله عليها، تلك الرائدة في ايصال اهداف النهضة الحسينية الى مبتغاها ووجهتها الصحيحة.
لقد ذكرت هذه الاعلامية المناضلة، ان دماء سيد الشهداء واصحابه ستؤتي أُكلها ولو بعد حين، ولن يكون نصيب ثورتهم النسيان مهما حاول اعداء الامة طمس معالمها وتشويهها، فهي باقية ما بقي الدهر... تنبأت السيدة زينب ذلك في موضعين، الاول.. عندما قالت لابن اخيها الامام زين العابدين عليه السلام: لقد اخذ الله ميثاق اناس لا تعرفهم فراعنة الامة، وهم معروفون في اهل السماوات، انهم يجمعون هذه الاعضاء المتفرقة فيوارونها الثرى، وينصبون بهذا الطف علما لقبر ابيك سيد الشهداء، لا يدرس اثره، ولا يعفو رسمه على كر الليالي والايام، وليجهدنّ ائمة الكفر واشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد الا ظهورا وامره الا علوا.
اما الموضع الثاني.. فهو عندما ادخلت هي والسبايا الى مجلس عدو الله ورسوله، يزيد بن معاوية لعنه الله، وهنا لم تكتف سيدة الاعلام الحسيني بالتنبؤ بخلود النهضة الحسينية فحسب، بل طرحت مشروعها الاعلامي الخاص بها امام اعتى طاغية في زمانها، عندما ألهبت ظهره بسياط كلماتها الثورية... فهي وان كانت سبّية لا حول لها ولا قوة، لكنها امتلكت اعظم سلاح قد تمتلكه انثى على وجه التاريخ... فهي تمتلك الكلمة وهل هناك امضّ من هذا السلاح الفتّاك؟ بالكلمة تسقط امبراطوريات بكاملها... بالكلمة تحيا امة باسرها... نعم هي كلمة زينب في وجه طاغية متفرعن يجلس بكامل عنجهيّته وجبروته على كرسي حكمه المهتريء... لكنها بكلمة واحدة عرّت سلطانه فأصبح لا يحير جوابا أمام شجاعتها وثباتها.
لقد انتقت السيدة زينب كلماتها وخطبت خطبتها التاريخية الشهيرة، فاخترقت فيها القلوب والاسماع وأحيت ميت الضمائر، حتى أن الناس في مجلس الطاغية بدوا حيارى وقد ردّوا ايديهم الى افواههم، فما وجد غير شيخ يبكي ونساء تصيح، وقد ذهلوا جميعا بما سمعوا فحدث الهرج وبان الاضطراب في المجلس... ها هي الاعلامية الناطقة بالحق تتنبأ بزوال حكم يزيد امام الناس عندما قالت قولتها الشهيرة: فالى الله المشتكى وعليه المعول.. فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك امرنا ولا تدحض عنك عارها وهل ايامك الا عدد وجمعك إلا بدد... الى اخر خطبتها اللاهبة.
لقد احسنت السيدة زينب عليها السلام في توظيف الكلمة الفاعلة والمؤثرة في الوجدان، واستطاعت بالكلمة وحدها ان تقيّض صرح الطاغية وتسقطه فوق رأسه.. فما كان منه إلا ان أمر باخراج السبايا بعيدا عن مجلسه، ولكن هيهات فكلمات السيدة زينب بقيت خالدة لانها باختصار تختزل كل رسالات السماء، وهي بالتالي رسالتها الاعلامية الخاصة.. فما احوجنا اليوم نحن النساء الى رسالة زينب واعلام زينب؟
وما احوجنا كذلك الى زينبيات الكلمة الهادفة، يواجهن نهج الافساد، ويكشفن للعالم دور المرأة الواعية لاحداث زمانها، وما يحاك ضدها من مؤامرات لتمييع دورها في المجتمع.
اضافةتعليق
التعليقات