بعد اجتياح مواقع التواصل الاجتماعي أطر الحياة بكافة مجالاتها حتى أصبح الاستغناء عنها أمر يستحيل حصوله وبرغم ما تجنيه من فوائد ومنفعة بمعرفة الأحداث بسهولة وبوقت قصير إلا إن أضرارها الوخيمة وسلبياتها أصبحت تشكل خطرا جائرا يهدد بانهيار مرتقب, فإدمان البعض على مواقع التواصل بصورة غير طبيعية اثار الجدل وقاد العديد نحو الهاوية, حتى أصبح أكثر الناس يذكرون الماضي بالخير العميم ويشيرون إلى ما كان فيه من ترابط اسري وما كان يسوده من خلق قويم وتقاليد طيبة وعادات حميدة هذا ما جعلهم يقارنوه بما يسود الحاضر من أزمات وتفسخ اجتماعي ينذر بالويل والثبور لبعض الشرائح من المجتمع فيشكل عصر التكنولوجيا خوفا وقلقا من نهايات قد لا تسر الخاطر.. وحول هذه المخاوف اجرت (بشرى حياة) هذا الاستطلاع..
الخوف من المجهول
ينقل نبيل صادق/ محامي مخاوفه قائلا: "حملت السنوات الأخيرة مزيدا من الوسائل التي سهلت للبعض التواصل عبرها فقد ولد الإدمان لدى البعض على مشاهدة الفضائيات سواء داخل البيوت او خارجها ثم جاء دور الانترنيت والتعلق الزائد به, وقد سبب هذا التقدم التكنولوجي إلى انهيار لبعض العوائل, فبحكم عملي تناولت قضايا عدة بصدد هذا الموضوع حتى إني بت أخشى على ابنتاي من مخاطر الشبكة العنكبوتية, إضافة إلى تأثر الأطفال وتقليدهم أحيانا في مشاهد العنف وحتى التخريب ومن الصعب التقليل من استخدام هذه التقنية التي تشكل خطرا فكريا وتطبيقيا على أبنائنا".
وأضاف: "أحاول تفادي مخاطر هذه التقنية وأسعى جاهدا لمتابعة أولادي خوفا من أن يجرفهم التيار التكنولوجي الى عالم لايمكن اللحاق به".
وتابع: "يجب أن نخشى من تفاقم هذا الاكتساح المباغت فقد وصلتني بعض التهاني مؤخرا في بعض المناسبات عن طريق رسائل الفايبر والواتساب ويعود السبب لانشغالهم الدائم, باعتقادي ان هذه حجة واهية أخشى أن ينتهي الأمر حتى في التعزية بلا حضور وتكون برسائل على برامج المحمول".
فيما قالت صفاء عبد الحسين: "للأسف هناك مفهوم خاطئ للتطور التكنولوجي مع قلة التوعية لهذا الشيء رغم انه عالم افتراضي ولا يمد للواقع بصلة إلا إن العديد يقبع بذلك العالم ولا يواكب بالمسير بحياته حيث الناس من حوله يقطعون آلاف الأميال بالمضي قدما وهو مازال يقبع بجوار الشاشات الإلكترونية حتى يصل لمرحلة الهوس والإدمان".
وأشارت إلى إن "التكنولوجيا ساهمت أيضا بتشتيت الأسرة والمجتمع حتى شكلت تباعد اجتماعي وليس التواصل, قد يقول البعض ليس له علاقة بالأخر, بلا, بل له علاقة لان كل فرد من أفراد الأسرة كون له عالمه الخاص به وأصبح أفراد الأسرة يبتعدون عن بعضهم ولا يعرف احدهم بمشاكل الآخر, فلم تعد تجمعهم غرفة جلوس واحدة وتلفاز واحد حتى حديثهم أصبح شبه معدوم, وللأسف هناك من استخدموه لأغراض مخلة للأدب وبالتالي أصبح اغلب الناس يعممون فكرة تطور التكنولوجيا تسبب بانهيار الجيل القادم".
ومن جانبه حدثنا مسلم عبد الله موظف 38 سنة قائلا: "ما كنت اعلم إني سأخسر زواجي بسبب تهوري وانجرافي خلف تيار التكنولوجيا، كثيرا ما كانت تزداد مشاكلنا بسبب انشغالي الدائم والمستمر بعملي وبرامج التواصل التي احتلت الجزء الأكبر في حياتي".
وأضاف: "احتدت خلافاتنا المتواصلة وازدادت الفجوة بيني وبين زوجتي حتى تأثر أطفالنا بسبب مجادلاتنا, لم اكترث لما آلت إليه حياتي لإهمالي لأطفالي وزوجتي, زوجتي التي كانت تمتعض من علاقاتي المتواصلة على كل برامج المراسلة الالكترونية فأجيبها بقسوة وأنانية بأني حر بتصرفاتي وكان ردها: وكرامتي ماذا عنها, فينتهي النقاش إلى شجار حتى شكت لوالدي وبعد عتاب أبي وتأنيبه لي ازدادت ثورة غضبي وعدت لضربها مما زاد المشكلة أكثر لتدخل أسرتها وبعد سرد طويل لمعاناتها معي والتي كنت أتجاهلها انتهى الأمر بالطلاق".
واصل حديثه بأسف: "بعد مرور عدة شهور بدأ الندم يتسرب لي فسعيت لاسترجاعها لكنها رفضت وبشدة فأحسست بخسارة بيتي وعائلتي لكن بعد فوات الأوان".
التكنولوجيا والروابط الأسرية
وكان للباحث الاجتماعي عبد الكريم قاسم مشاركة بهذا الجانب حيث قال: "تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي سلبا وإيجابا على أفراد المجتمع وتنعكس على الأسرة, والفائدة المنيرة منها هي تقليص المسافات واكتساب العلوم والمعارف وتقارب وجهات النظر والاطلاع على الأنشطة والتجارة والسياحة وكذلك الدراسة".
وأضاف: "وللتكنولوجيا أيضا مضار على الفرد والأسرة, فهي تشغل وقت الأفراد في استعمال الأجهزة ودخول مواقع الاستدراج غير الخلقية, بالتالي فإن هناك مصروفات طائلة تكبد الفرد إلى الانجرار في شبكات الانحراف والجاسوسية مقابل أوهام كثيرة".
وتابع قائلا: "هناك صعوبة في معالجة الأمر لكون الأجهزة الحديثة متطورة التقنية لصغر حجمها وسهولة حملها, وفيها كثير من البرامج يصعب على الأسرة أحكام الرقابة عليهم, ولأن الظاهرة حديثة على بعض أفراد المجتمع فتجد صعوبة في إقناع المستخدم للإقلاع عن استخدامها, وكذلك لكون الأعمار التي تقع فيها أصلا مهيأة لاستقبال كل طارئ وغريب ومثير, لكن لا يمنع من اتخاذ الاحتياط والرقابة والتوجيه المستمر من قبل الأسرة والمدرسة وخطب رجال الدين, ونتمنى أن تقوم الجهات المعنية بدورها في التوجيه من خلال المحاضرات او حجب المواقع وغير ذلك من أشكال الرقابة".
وواصل حديثه: "يجب أن تكون هناك أوقات مختلفة للحديث بين أفراد العائلة لأجل ديمومة الرابطة الأسرية, والتي يجب أن تبقى والأمر أيضا يتعلق بالآباء في محاولة أن يزرعوا أهمية الحب الأسري في أبنائهم حتى لا يكون هناك تشتت أو تقاطع مستقبلي, وقد بينت الدراسات النفسية إن أكثر الأفراد تعرضا لخطر الإصابة بمرض إدمان الانترنيت هم الأفراد الذين يعانون من العزلة الاجتماعية والفشل في إقامة علاقات إنسانية طبيعية مع الآخرين, والذين يعانون من مخاوف غامضة أو قلة احترام الذات الذين يخافون من أن يكونوا عرضة للاستهزاء أو السخرية من قبل الآخرين, فهؤلاء هم أكثر تعرضا للإصابة بهذا المرض وذلك لان العالم الالكتروني قدم لهم مجالا واسعا لتفريغ مخاوفهم وقلقهم وإقامة علاقات غامضة مع الآخرين تخلق لهم نوعا من الألفة المزيفة فيصبح هذا العالم الجديد الملاذ الامن لهم من خشونة وقسوة عالم الحقيقة كما يعتقدون, فيتحول عالمهم هذا إلى كابوس يهدد حياتهم الاجتماعية والشخصية للخطر".
اضافةتعليق
التعليقات