في القرن الواحد والعشرين أصبحت مسألة الدعاية والإعلام هي النافذة الأولى التي تنقل المرء من محيطه الضيق الى الظهور على الساحات العالمية بصورة واضحة وهو امر تقر به جميع المجتمعات، إسلامية كانت او علمانية.
فالشهرة فاتحة ذراعيها لكل الأشخاص الذين يستغلون الظهور الإعلامي بطريقه ذكية، فجميع البرامج التي تصنع الوهم لتحقيق الربح المادي تترك لمشاركيها حصة كبيرة من الشهرة، باعتبار الشعبية الكبيرة التي تملكها هكذا قنوات. فما يفصل بين أي شخص يظهر اعلامياً ليست مجرد عدسة كاميرا، بل ملايين من المتابعين حول العالم.
ولا شك بأن الغايات هنا تختلف من متابع لأخر، بين من يبحث عن المتعة، وبين من يريد ان يقضي وقت فراغه، وبين من له مصلحة او غرض خاص يجده من متابعة البرامج بكافة أنواعها.
وبعد التطور الفكري الذي نشهده في المنطقة من التركيز العميق حول مكانة المرأة وضرورة تقويم دورها في المجتمع، بلا شك يمكننا الجزم بأن هنالك نساء مسلمات تركن بصمة كبيرة في حياتنا، ولولا وجود صفحات التاريخ لما انتقل الينا اخبارهم ولا تعرفنا على انجازاتهم، فلولا كتاب الله (عز وجل) لما تعرفنا عن قصة آسية بنت عمران وموقفها الكبير مع فرعون، فهنا يتبين لنا بأن القرآن هو اول وسيلة إعلامية استطاع ابراز الشخصيات التاريخية وايصال قصصهم ومواقفهم البطولية الى العالم رغم مرور آلاف السنين.
هذا وناهيك عن الكتب التي تنقل لنا التاريخ بلونيه الأسود والأبيض، كتاريخ نابليون وهتلر، الذين كانوا يتواصلون مع الناس بصورة مباشرة عن طريق الخطب التي كانوا يلقوها لتوصيل أفكارهم وحيلهم الخاصة بطريقة مؤثرة ومباشرة.
ولأننا لم نكن بتماس مباشر مع هذه الشخصيات، فالإعلام كان له دور كبير بنقل احداثهم وافعالهم التي قاموا فيها في ذلك العصر، وتكفلت الكتب والجرائد بهذه المهمة، وعلى الرغم من سوداوية هذا التاريخ الاّ ان هذه الشخصيات بالذات أصبحت بارزة في عقول جميع المجتمعات العالمية.
وبما اننا تيقنّا بأن الاعلام أصبح هو المتحكم الأول بشهرة الافراد، سلبياً وايجابيا، اذن من المهم جداً ان نستغل هذه النقطة لصالح الإسلام، وان نصنع لنسائنا منصة حرة تصل من خلالها المرأة المسلمة الى العالم اجمع، ويبقى صدى افعالها مدويا الى أجيال المستقبل، وبلا شك الوسيلة القادرة على بروز المرأة في الساحة العالمية وضمان خلودها في أروقة التاريخ هي المساحة الإعلامية التي يوفرها المجتمع للمرأة.
فالمجتمع الإسلامي يفتقر الى القدوات الصالحات، وهذا الافتقار لا يعني بأننا لا نملك نساءا مميزات استطعن ان يتركن بصمة كبيرة في بناء الأمة، ولكن الحقيقة هي ان الاعلام ابخس حقهن ولم يهيئ لهن مساحة حرة تكفي لنقل صورة المرأة المسلمة العصرية الى العالم اجمع، او بالأحرى نحن لم نتعود على ظهور النساء الملتزمات الى الساحة الإعلامية بصورة مباشرة واكثر تحرراً ضمن اطار إسلامي سليم، لارتباطنا بعادات وتقاليد زائفة ضربت على حلال الله وقيدت من حركة المرأة النموذجية لصد الصورة الرجعية التي رسمها الغرب عن المرأة المسلمة على أساس انها لا تتلاءم مع التطور الذي وصله المجتمع وان دينها يمنعها من ممارسة التطور والحرية بطريقة اكثر عصرية، فأصبحت شهرة المرأة المسلمة المميزة والمعطاءة مقتصرة على حدود منطقتها والمؤسسات التي تتعامل معها والجهات التي توظف فيها خدماتها العلمية والاقتصادية والإسلامية.. الخ.
ولكي تحقق الدعاية والاعلام الصالح أهدافهم السامية كما يذكر آية الله العظمى محمد الشيرازي (قدس سره) في كتابه الرأي العام والإعلام: "يجب ان تتصف بالحكمة، ومعنى الحكمة وضع الشيء في موضوعه، منه قيل (الرجل المناسب في المكان المناسب)، وتكون مصاحبة لإظهار القوة وتحقيق النجاح والنصر، واستخدام كافة التسهيلات الممكنة، وأن يسعى الداعي لاكتساب الطرف الآخر والتأثير عليه بكل ما اوتي من لباقة وبلاغة، ومن المفترض ان تكون الدعاية متطورة مع تطور الزمن والأحداث، وملائمة للغة العصر ومفاهيمه، وان يتبع الداعي عامل التجديد، فالناس يبغضون التكرار الكثير، ويحبون التجديد".
اذن من المهم ان تعرف المرأة كيف تطرح نفسها في الساحة الإعلامية وتعالج مشاكل المرأة على نطاق عالمي واسع، وان تعزز مكانة المرأة في الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتبين أهمية تواجد المرأة جنبا بجنب الرجل لتكون له سنداً، لأن من تمثل نصف المجتمع يجب ان تشارك في بناء الأمة، وتلعب دورا مهما في تعزيز مكانة الإسلام في العالم، ويحصل ذلك عندما تتوفر في المرأة التي تخرج الى فضاء الاعلام الصفات والمميزات التي ستساهم في عكس الصورة الواقعية والجليلة للإسلام، وترفع من شأن معتنقي هذه الديانة العظيمة، لتستطيع المرأة من منبرها الإعلامي إيصال الانجازات الحقيقية وصوت المرأة المسلمة الى العالم أجمع.
وتخلد انجازات عظيمة وتكون قدوة للنساء، وتشجع الأخريات في السير على هذه الخطى التي هدفها الأول هو اظهار الصورة الصحيحة للمرأة المسلمة الى كافة الناس في العالم.
وهنالك مهام كبيرة تترتب على عاتق الإعلام، بتوفير فرص كبيرة ومرموقة للنساء المسلمات اللاتي يتمتعن بمواهب كبيرة إضافة الى المبدعات في مجال الأدب والمتميزات في مجال الطب والعلوم المختلفة، والاختصاصات السياسية وحتى العسكرية وتسليط الضوء عليهن أكثر من خلال اللقاءات والبرامج التلفزيونية، وتعزيز ادوارهنًّ المهمة في المجتمع، لتقديم قدوة نسوية الى فتيات الجيل والسير على النهج الإسلامي الصحيح ضمن الأطر التي اقرها الله لنا..
لأنه لو أردنا اصلاح مجتمع وتطوره يجب ان نبتدئ من المرأة التي تمثل نصف المجتمع وتربي النصف الآخر منه، ولا يجب ان ننسى بأن المرأة المسلمة الواعية مهما تفتحت لها سبل التطور والحرية وازداد انفتاحها على العالم ستبقى ملتزمة بحدود الله وتشريعاته التي اقرت لحماية المرأة من دنس الدنيا، اذن من المهم جداً تجاوز المعتقدات الخاطئة التي تحد من حركة المرأة في المجتمع وتقيد من عطاءها العلمي والعملي في مجالات الحياة المختلفة، وتشجيعها على بناء الأمة وخدمة المجتمع بكل ما اوتيت من حب وقوة.
اضافةتعليق
التعليقات