من منا لم يمرّ بهذا الموقف؟
موقف الانتظار لندخل على شخص ما! قد يكون مسؤولا، أو طبيبا، أو أي شخص نقصده لغاية معينة، وفي الأحوال كلها يكون هناك حاجب أو بوّاب يحول بيننا وبين قصدنا؟ قد يكون هذا الحاجب بالمصطلح الحديث سكرتيرا، أو مدير مكتب، أو مدير أعمال، مهما اختلفت التسميات تبقى المهمة واحدة أن هناك من يمنعنا من الدخول متى أردنا بحجة التنظيم، أوالمحافظة على حقوق الآخرين، وغيرها من الحجج، وكثيرا ما يُمارس ضدنا أثناء الانتظار ألوانا من الابتزاز المادي والنفسي، ونحن مجبرون على الصبر والتحمل على مضض لأن الحاجة دفعتنا للوقوف خلف هذا الباب المغلق مهما كان احساسنا بالذل والهوان !!
عندها سنلعن الحاجة التي دفعتنا لهذا الموقف مهما كانت ضرورية وملّحة.
هناك باب واحد نستطيع الولوج إليه متى أردنا بلا حاجب أو بواب.
لسنا مضطرين للانتظار أو تقديم الرشا، لا نحتاج إلى تقديم ملف يحوي على عشرات الأوراق التي تعرّف بشخصنا، وتشرح طبيعة حاجتنا، لن يسألنا أحد عن انتمائنا، أو عشيرتنا، نستطيع بكل ثقة ويسر أن ندفع الباب وندخل ولن يجرؤ أحد على منعنا أو الوقوف بوجهنا!
إنه الباب الذي نقصده كلما احتجنا لمن يسمعنا، لمن يعلم بحاجتنا، ويفهم دواعي قلقنا وألمنا، لمن نتحدث إليه بلا خجل، بلا حدود أو خطوط حمراء، يكفينا أن نتوجه إليه بأدق ذرات وجودنا، بأعمق مشاعرنا وأكثرها صدقا !
إنه الباب الذي أُذِن لنا بقصده إذنا عاما، وقدمّت إلينا دعوة مفتوحة للتوجه إليه بغض النظر عن أي اعتبار .
لن نجد في طريقنا لذلك الباب موانع أو حواجز تضطرنا للوقوف، وتخضعنا للمسائلة، لن نحتاج إلى علامات دالّة، فالسبيل واضح، لن نضل عند السير إليه؛ بل على العكس سنزداد نورا وهداية ورشدا، إنه وسيلتنا وغايتنا في الوقت نفسه!
إنه باب الله، باب الدعاء الذي دعتنا فطرتنا السليمة للتوجه إليه بإذن عام وغير مقيّد، باب لا يحول بيننا وبينه حاجب أو بواب " يا من ليس له حاجب يرشي، ولا بواب ينادي" .
اقد اودع الله في فطرتنا، وقرارة أنفسنا الحاجة إليه، ولهفة البحث عنه، والتوجه إلى ساحة رحمته، والأنس بذكره وكما ورد عن الإمام العسكري (عليه السلام): "الله هو الذي يتأله إليه عند الحوائج والشدائد كل مخلوق عند انقطاع الرجاء من كل من هو دونه، وتقطع الأسباب من جميع ما سواه".
إن الإذن الإلهي لنا بالدعاء من أعظم النعم علينا "اللهم أذنت لي في دعائك ومسألتك"؛ فبغض النظر عن الحاجات المادية التي تحرّكنا للدعاء، والتي نرغب إلى الله بتحقيقها، وبصرف النظر عن الثواب والأجر المترتّب على الدعاء والمناجاة، فإن للدعاء والوقوف بين يدي الإله العظيم الرحيم، والتحدّث إليه لذة معنوية لا تضاهيها أعظم اللذائذ المادية، وكما عبّر أحدهم:
"لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من لذة الأنس بالله لجالدونا عليه بالسيوف".
نعم لو رزقنا لذة المناجاة مع الله فسوف ننسى حاجاتنا المادية، ستصغر بأعيننا وسنشعر بتفاهتها، ستتوجه قلوبنا نحو الغاية الأسمى، وتشرق أرواحنا بنور الحب الأكبر؛ فندعوه في الرخاء شوقا وشغفا كما ندعوه عند البلاء اضطرارا وحاجة.
وكما أتاح الله لنا هذه الفرصة الثمينة لدعائه ومناجاته، وزودنا بسلاحٍ ماضٍ يمنحنا أملا وطمأنينة، فقد ضمن لنا الإجابة وحدّد لنا أسبابا تزيد من فرصها، وتشرح لنا الكثير من الحقائق الكامنة المتعلقة بهذه النعمة ليتمّها علينا، منها ما يتعلق بالمكان، أو الزمان أو كيفية الدعاء وأسلوبه .
فالله تعالى يجيبنا بأي وقت وبأي مكان لكنه شاء أن يعظم بعض الأوقات وبعض الأماكن ويمنحها خصوصية، ومن هذه الأوقات شهر رمضان، فهو من منن الله علينا، قد جعل الله أيامه خير الأيام، ولياليه خير الليالي، وضاعف فيه عتقائه من النار، وخصصه بليلة عظيمة هي خير من ألف شهر، وجعل أجر العابد فيها كمن عبده ألف شهر، الليلة التي تنزل فيها الملائكة حتى تضيق بهم الأرض على سعتها، ويقدّر الله فيها أقدار عباده وحوادث السنة القادمة من موت وحياة، وسعادة وشقاء، وهي ليلة السلام، وليلة الرحمة والمغفرة والحب الإلهي الذي لا حدود له، وهي ليلة الإمام المعصوم الذي يتحد عالما الغيب والشهادة من خلال وجوده المقدّس.
ليلة القدر من مواهب الرحمن لهذه الأمة المحظوظة؛ كما وصفها رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إن الله وهب لأمتي ليلة القدر ولم يعطها من كان قبلهم" .
فلنغادر أبواب الملوك والمترفين، ونقصد باب كريم لا يحول بيننا وبينه حاجب أو بواب، نبثّه شكوانا، ونمدّ له أيدينا الموسومة بالفقر ليردّها مليئة بالخير والعطاء .
"الحمد لله الذي أناديه كلما شئت لحاجتي، وأخلو به حيث شئت لسرّي بغير شفيع فيقضي لي حاجتي ".
اضافةتعليق
التعليقات
العراق2024-03-28
تقبل الله أعمالكم ووفقكم