ملامح متعبة والأقدام تجر خطاها واحدة تلو الأخرى، يرفعون الرأس كجلاد يأبى أن يلامس السوط جسده بينما العيون تخبر عن مدى ضعفهما وتصرخ أنا الضحية، حينما يشتد بك صوت الألم لن تعد قادرا أن تحدد في أي الطرفين أنت ضحية عليها المكوث في الزاوية وانتظار عطف متكلف من المارة أم عليك أن تقف كمحارب انتهى من هذه الحرب حيا لكنه مدرك أن مازالت أمامه معارك كثيرة.
نقف أمام أنفسنا بكل صلابة والنفس في اشد انكساراتها، نكذب ونكذب حتى دون ادراك نصدق هذا الكذب ثم نلقِ اللوم على كل شيء أمامنا فقط لنجتاز مرحلة الشك ونتيقن أننا ضحية، فدور العجز أضحى دورا مفضلا لدى الكثيرين اليوم، فهو أسهل بكثير فأن تقف على ناصية الفشل وترمِ كل اللوم على الظروف والبيت والرب إلا أنت أسهل بكثير بذريعة ما من ضحية جُلدت بيديها لابد من وجود سبب يقف أمامها ليريحها من عذاب الضمير.
وبعد هذه المعركة في تحديد أي الطرفين انت نجد أننا أصبحنا نسخة مشوهة عن الحروف التي سمعناها من العاجزين الذين يسابقوننا بالحزن بل إننا لن نكتف بهم ونسرع نحو تلك الاقتباسات الكئيبة التي توضع في أطراف الحكايات أو بهامش لرأس الأحداث لعلنا نشحذ ودا منها وكلمة تعبر عنا لتنتشلنا من ما نحن فيه، ودون ادراك منا نجد أنه لم يبق حولنا إلا صحراء من الإسمنت والدمار ونحن نركض في ذلك الهجير باحثين عن ظل أغنية أو قطرة شعر أو نسمة طفولة في الوقت الذي نسينا أن نعيشه في ظل خوض ذلك الرهان الذي ألبسنا من قشرة الحضارة وترك في الروح جاهلية، جهل لم تسبقه أمة.
أصبح الرأي فينا شيء مشتت والحكم نطرحه باشمئزاز شديد متناسين أننا نحكم اعتمادا على معرفتنا الخاصة وربما الأشياء حتما ليست بهذا السوء، ما الضير لو افترضنا أن عيوننا هي المرهقة في الوقت الذي رفضنا كل الكؤوس الممدودة إلينا متمسكين بعطشنا العنيد.
أن نجلس بمكان منعزل لنعيش حزننا فيأخذ منا الوقت الكثير، لما كل هذا التعقيد في الأشياء التي لا تتطلب سوى وقت قصير بينما نهمش مايجب أن تاخذ جل اهتمامنا فللحزن قاعدة هي العزلة وللسعادة قواعد عدة فما هذه الأهمية التي نعطيها للتوتر والنكد لدرجة أنه إن لم يوجد هناك حزن نعطِ لأنفسنا ايحاءات بأنه سيحصل شيء فجأة!.
لماذا نعتبر السعادة شيء مثير للريبة، لما علينا التوقف ببوابة الألم على ماضٍ انتهى لا الحزن يعيده ولا الهم يصلحه، إذ إننا بقينا واقفين على أطلاله ناسفين الساعات الراهنة، قال تعالى: (تلك أمة قد خلت).
انتهى الأمر وقضي ولاطائل من تشريح جثمان الزمان بحثا عن عجلة التاريخ الذي لن يعود، فبكل بساطة يمكنك أن تبكِ إن شعرت أنك حزين، ولا تُخفِ شوقا إن فاض بك الحنين، لا توافق خجلا ولا تتوشح رداء الاعجاب مجاملة بل قل ما يجعلك أكثر سعادة وأقل تعاسة، قل ماتفيض به جوارحك طالما أنك لست مجبرا.
ماذا لو هجرنا هذا العناد قليلا وقلنا جميلاً؟، سيتفتح الورد في كل مكان وستشرق الابتسامة وينحدر الحزن إلى قاع الأيام ولا يبقى له سوى وقت قصير يقل كلما زادت السعادة، فهمك لن يدوم إن تذكرت نعم الله عليك (وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها)، صحة في بدن وعيش في وطن، غذاء، كساء، هواء وماء (واسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنة).
أو هل فكرت لمرة هل هي مسألة سهلة أن تمشي على قدميك أو تنام ملئ عينيك، هذه أبسط الأشياء وأقلها، ما إن غابت حتى تجد نفسك لا شيء، فكيف وأنت تملك نعم لا تحصى قدمها البارئ العالم بأمرك ومستمع لجوفك هل تظن أنه من كان اقرب إليك من حبل الوريد يصعب عليه أن ينقلك من قاع حزنك إلى سماوات فرحك؟.
كلا لكن لكل شيء مر له حكمة، فلو فكرنا بها قليلا ونظرنا لكل شيء لأكثر من زاوية سنجدنا عرفنا كل شيء لكننا بكل سذاجة ننظر من جهة عاطفية بحتة، فهناك فطرة نقية شفافة شفافية الهواء الطلق، ادركت الحكمة وهدت صاحبها إلى الحقيقة، وهناك فطرة سودتها المداخن وأصمها ضجيج المكن وألهبها عواء الغرائز فاستغرقها المطلب العاجل وانساها وراءه كل شيء، قال تعالى: "إنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ العَاجِلةَ وَيَذَرُونَ وَراءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً".
الفرق فقط أننا دوما نسعى لما يجعل الدمع يسقط وما يجرح النفس حتى تصرخ ظنا منا أن فيه راحة لنا بينما الحقيقة كلنا فطرنا على ذات الشيء ولكننا اخترنا السير في الطرف المظلم الذي لافائدة منه سوى كبر في السن وهرم في الروح.
وفي الوقت الذي نبحث نحن فيه بأزقة الحزن عن راحة كانت تنتظرنا السعادة عند الباب، ببساطة ماذا لو أنك ألقيت نكتة على حزين بدل أن تسأله عن سبب حزنه فلو كان السبب مفيد لما ترك العين تذرف، وأن تقبل الجرح بلطف فترى كيف يصبح بدل أن تضغط عليه بحجة العلاج.
كل الأشياء لم تخلق إلا لتزول والسعادة خُلقت بكميات تفوق الحزن أضعافا ولكن نحن المتحكم الوحيد بكفتي الميزان، إما أن نتسلق سلم السعادة أو نحرق أطرافه، فبدل أن نفضل اقتباس "فقدتُ قُدرتي علىّ مواساتي أشعُر ببُكاء شديد وسط قلبّي"، يمكنك أن تقتبس: "تمادى بحُب الأشياء التي تجعل روحك سعيدة ودافئة من الداخل فالمشكلة في المكين لا في المكان".
اضافةتعليق
التعليقات