عندما يزداد المسلم معرفةً يزداد كمالا وخضوعاً وأدباً، فلو دخل علينا رجل كبير السنّ فإنّا نحترمه ونوقّره من باب (وقّروا كباركم)، وإذا عرفنا أنّ هذا الرجل الكهل هو أحد مراجع التقليد فإنّه بلا شكّ يزداد احترامنا وتوقيرنا له ومحبّتنا فيه وإطاعتنا إيّاه، ومن هذا المنطلق من عرف النبي صلوات الله عليه واله وفاطمة والأئمة الأطهار (عليهم السلام) بمعرفة جمالية، فإنّه يزداد مودّةً وتعظيماً وإطاعة، فيفوز بسعادة الدارين.
فإن أردنا أن نتكلّم عن سر الحياة وعلة الموجودات التي خلقها الباري نجدها في الحديث القدسي:
«يا أحمد! لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما».
كانت الزهراء (عليها السلام) في بداية تكوين المجتمع الإسلامي في المدينة المنورة صغيرة السن ولما تكمل عامها الثامن، إلا انها كانت عارفة واعية بالعلم الرباني اللدني وبالعصمة الإلهية التامة، بحيث أنها أدت دوراً مهماً في نشوء المجتمع الإسلامي الجديد، وامتازت بإخلاصها الشديد وتفاعلها مع الأحداث واستيعابها للرسالة السماوية.
وبالرغم من وجود نساء أخريات في بيت الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، لكنها نالت مرتبة سامية وعالية عند الله سبحانه وتعالى وفي المجتمع الإسلامي، وذلك بفضل اصطفائها من عند الله وإخلاصها وزهدها وعبادتها وإنفاقها وجهادها وصبرها وتحملها في سبيل الله.
فأدت (عليها السلام) الدور الملقى على عاتقها بأحسن وجه، فاستحقت أن تكون سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.
وفي الحديث عن المفضل قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أخبرني عن قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في فاطمة انها سيدة نساء العالمين أهي سيدة نساء عالمها؟
فقال (صلى الله عليــــه وآله وسلم): (ذاك مريم كانت سيدة نســــاء عالمها، وفاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين).
فاستحقت الزهراء (عليها السلام) أن يكون وجودها شرطاً لوجود الرسول الأعظم وأمير المؤمنين (عليهما الصلاة والسلام) كما جاء في الحديث القدسي، حيث كان لها (عليها السلام) الدور المكمّل والمتمم في بناء المجتمع الإسلامي والحفاظ على بقاء الإسلام وفي تحقيق الغاية من خلق الإنسان وخلق الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ إذ لولا فاطمة لما خلق الأئمة (عليهم السلام) من ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا العالم، وعدم وجود الأئمة يعني ابطال الغرض من وجود النبي وابطال وجود الإسلام معاً، وهذان أيضاً بدورهما يسببان إبطال وجود الإنسان أيضاً.
ولذا فإنه لولا فاطمة (عليها السلام) لما اصبح للنبوة امتداد وديمومة، فهي (عليها السلام) سر الامامة، مضافاً إلى ما سبق من كونها وقفت امام المؤامرات التي حدثت بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
والمتتبع لسيرة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) يجد انها مدرسة متكاملة في مختلف أبعاد الحياة.. فينبغي أن تكون قدوة لجميع النساء بل وحتى الرجال.
فهي التي وقفت مع أبيها في تبليغ الدعوة الإسلامية، وتحملت أذى مشركي قريش مع الثلة القليلة من المؤمنين في شعب أبي طالب، وتحملت صعوبة الهجرة من مكة إلى المدينة. ووقفت أيضا بجانب أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي أرسى دعائم الإسلام.. فكانت المجاهدة والمهاجرة.
وتحملت أيضاً الآلام وقساوة الظروف الصعبة جرّاء طلاقها للدنيا واختيارها الآخرة، كما تزوجت بأمير المؤمنين علي (عليه السلام) لتشارك في إسناد الرسالة والإمامة معاً وإرساء قواعد المجتمع الإسلامي ونشر الدعوة الإلهية بجانب أبيها وبعلها الذي نذر نفسه لله تعالى. وهذا خير مثال يقتدين به النساء المسلمات.
اضافةتعليق
التعليقات