انتشر في الآونة الأخيرة بوست عبر الفيس بوك وهو سؤال على حسب ما أتذكر كان يقول: "إذا سألك أطفالك ماهي انجازات جيلكم أو ماذا عاصر جيلكم، ماذا سيكون جوابكم؟".
طرح السؤال كان من باب الطرفة والمرح ولكنني فكرت به من جانب آخر، ماذا لو فعلا سألتني ابنتي هذا السؤال ماذا سيكون جوابي لها؟ كيف سأجيبها؟ وهل جوابي سيجعلها تفتخر بي أم تشفق علي؟ وهل سيكون جيلها أفضل من جيلي؟.
أسئلة تتردد على ذهني وأردت الإجابة عن هذه الأسئلة فأخذت قلمي وتركت له حرية الجواب وأخذ يكتب قلمي بكل سلاسة ويسر.
نحن جيل الرسالة الفارغة والكلمة المذبوحة والقضية المُباعة.. نحن جيل اللاحياة وأهلا بالممات نحن جيل السكوت عن الحق والهتف للباطل، نحن جيل فارس بلا جواد وحرب بلا قائد.
نحن جيل تعلمنا أن تكون كلمة الحق مذبوحة وإن أردنا التمرد على الباطل تكون النتيجة الموت بكل الطرق وبأشكال مختلفة ومتنوعة.
فمن أين أبدأ لك، من حيث الجنائز العسكرية في حروب مدفوعة الثمن فقد كانت طفولتي بين أشلاء شهداء مبعثرة وفواتح مقامة وشباب تذهب إلى حرب دون عودة ودون عزيمة، في كل بيت فاجعة في كل زقاق نائحة، كانت حربنا مع دولة مسلمة أهدافها مبهمة لم أكن أعرف سبب هذه الحرب وحتى عندما كنت أسأل أهلي كانت نظراتهم تملأها الحيرة والخوف ويكون جوابهم اسكتي الجدران لها آذان.
فيما بعد عرفت أن من استشهدوا هم أيضا لا يعرفون أسباب هذه الحرب فقط لبوا نداء رئيس، هم على علم ويقين أنه طاغية ففضلوا الموت في ساحات الحرب بدلا من جلب العار إلى أهليهم لكونهم لم يلبوا نداء الظلم.
بعدها حرب دامية مع دولة عربية جارة لنا، أيضا لبوا بها شبابنا نداء الباطل بدون قناعة وادراك ومن بعدها تساقطوا جثث عارية جرداء في صحراء الحرب القاحلة.
نحن جيل السكوت والذبح والخضوع وعندما انتفض شباب وطني أمام الظلم والجور واجتمعوا لاعلاء كلمة الحق على الباطل ووقفوا وقفة رجل واحد أمام هذا الطاغية وهتفوا للحق لزهق الباطل كانت النتيجة دفنهم بمقابر جماعية.
لاتخافي يا ابنتي لا يمكن للظلم أن يدوم إلى الأبد فبدخولنا للألفية الثانية أشرقت شمس الوطن وولى عنا زمن الطاغية الذي دام مايقارب الثلاثين عاما وطوت صفحة الباطل والظلم ولكن يؤسفني أن أقول لك أن قلب صفحة الباطل كانت بأيدي أجنبية لأنه لم يبقَ للوطن شباب فمنهم من دفن تحت التراب وذهب إلى رثائه الأخير ومنهم من يمارس حياته وهو ميت.
لذا استعانوا بدولة أجنبية لتخلصنا من طاغيتنا المتجبر ودخلت إلى أرض الوطن دماء جديدة عراقية هربت من جور ظلم الطاغية دخلوا بمدرعات أمريكية حاملين أعلام ليست بعراقية جاؤوا محررين بنية المحتلين. وتقاسموا الكعكة بينهم وبقي الشعب يبحث عن لقمة عيشه بين رفات الموتى.
بعد أن تخلصنا من زمن الطاغية ابتدأت حقبة زمن جديد وهو زمن حيتان الفساد والحرب الطائفية يُقتل من يقول علي ولي الله ويُدفن من لا يصلي بتربة حسينية والقاتل مجهول الهوية.
فمن دولة طاغية إلى دولة فاسدة تسرق خيرات البلد وتغتصب قوت الشعب، صار الشعب يشتكي الجوع والحرمان والفقر. وبعد أن كان عدوه واحدا أصبح أعداءه كثر وبدل أن يموتوا بسبب واحد أصبحت الأسباب متنوعة.
نحن جيل شهاداتنا الجامعية ليس لها قيمة دولية وطلابنا ليس لديهم هدف مستقبلي وأصبحنا وسط أحضان بلادي نشعر بغربة كبيرة ويُذل ابن الوطن من قبل الغرباء، نعم نحن نعيش في بلدنا معيشة الغرباء ونستجدي حقوقنا منه كالفقراء.
اليوم وبعد شوط كبير مع حيتان الفساد الذين انهكوا البلد وأصبح مفتقراً إلى جميع الخدمات، لا كهرباء ولا ماء ولا أمان أصبحت بغداد دار السلام ومنبع الحضارات أسوء مدن العالم في العيش.
فأصبح بلد الحضارات كشيخ هرم متعب من الزمن أصابه العمى والشلل، عيونه يملؤها الحزن على أبنائه الذين ماتوا من أجله، فالموت هو الشيء الوحيد المتوفر في بلدي بشكل متنوع، الشيء الوحيد الذي لم ينقطع كما انقطعت الكهرباء، ولم ينتهي كما انتهت خزينة البلد، ولم يرخص سعره كما حدث مع برميل النفط، ولم تقص جذوره كما قصت جذور النخيل العراقي.
كل شيء أصبح باهتا في بلدي عدا الموت والموتى متجددين دائما فقد أصبحت جثث موتى بلادي تعادل حضاراته وخيراته. لابل سيكون تاريخ بلادي بعد عشرات السنين هو أعداد الموتى وأسباب قتلهم.
فمرة بسبب داعش المجرمة وأخرى بسبب سيارات مفخخة مجهولة الهوية وأخرى بسبب مظاهرات خرج بها أبناء شعبنا للانتفاض على الفساد وحيتانه الكبيرة.
لا أعرف هل أفتخر بهذا التاريخ أم أخجل منه، هل ستفتخرين أنت به أم سيغير جيلكم مالم نستطع تغييره ولم نستطع تبديله؟
حياتنا كانت متعبة ومليئة بمد وجزر ولكنني أفتخر أنني عراقية ودمائي سومرية وشربت من نهري دجلة والفرات وأكلت رطباً من النخلة العراقية وترعرعت على ترابه الزكية.
نعم ظروفنا صعبة ولكن الأمل بكم، أنتم من سيكمل طريق الحق وأنتم من سيعيد للوطن قوته وهيبته لأنكم شباب المستقبل وستقرئي كلامي هذا في يوم ما وتفتخري بأنك من جذور عراقية وأن جيلكم غيّر مسار خارطة الفساد الحكومية.
اضافةتعليق
التعليقات