في ظل التطورات التي يعيشها العالم لا نستطيع إنكار ان علاقة المرأة العربية بالساحة السياسية والاقتصادية ذات طابع محدود وقالب معين، فعندما نتكلم عن مجتمع يريد النمو والتطور من المستحيل ان نقارن الوضع بمجتمع يعمل بنصف الطاقات التي يمتلكها ويفرط بالنصف الباقي، لأن هذا التفريط لا يدل الاّ على إعاقة المجتمع في استغلال نصف سكان البلاد في التنمية والتطور الشامل.
فمع كل هذه الازمات التي تعيشها الأمة الإسلامية، هل يمكن للمرأة العربية أن تكون بمعزلٍ عن الواقع الذي تعيشه البلاد، ويكون لها دور أكبر من الانجاب والتربية؟ وهل تستطيع ألاّ تتناسى التحديات والحروب والتهديدات التي تواجه الأمة بالفترة الحالية؟
التاريخ هنا يرد بنعم، فالدور الذي شهدته المرأة في الميادين السياسية والاقتصادية اتحف التاريخ بنماذج رائعة استطعن ترك بصمة كبيرة وعظيمة استمرت على مدى قرون من الزمن.
فعندما جاء الإسلام عزز من دور المرأة وسلط الضوء على اهمية مشاركتها في ميادين الحياة المختلفة، وبالطبع هذا التعزيز ما كان الاّ برهان على قدرات المرأة الفكرية التي ستساهم في تطور المجتمع وبناء الأمة، لأن لولا هذا الترفع الذي تميزت به المرأة لما جعلها الله المدرسة التي يتربى في احضانها الرجل، ولما كان لها هذا الدور الكبير والفاعل لتكون على أثره نصف المجتمع ويقع على عاتقها تربية النصف الآخر.
"فعلى فرض إهمال المجتمع الإٍسلامي لطاقات النساء فإنه سيكون قد تبنى فكرة التفريط بنصف إمكانياته وقدراته على إنجاز هدف تنموي معين، وهذا الهدر بالنسبة للمسلمين غير مبرر دينياً خاصة وأنه يسهم في إضعاف دولتهم ويمهد لاستقواء أعدائهم عليهم، كما سيكون مثل هذا التفريط عائقاً امام عملية البناء الحضاري التي تتطلب مجتمعاً مسلحاً بالعلم".(من كلام المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي "قدس سره")
وفي كل الأحوال المرأة العراقية بدورها ليست بمعزلٍ عن هذه التحديات، فالحياة التي عاشتها خلال العقدين الماضيين جعلت من الوضع الحالي وخصوصاً الجانب العسكري امراً مألوفا لديها.
فإن نساء اليوم لا يُقصرن عن مثل ذلك، وخصوصاً لو كانت السيدة زينب (عليها السلام) هي القدوة النسوية في محورهنَّ الحياتي، ولكن انعدام الوعي وتحيّز الشعور بالمسؤولية تجاه الإسلام والأمة، وتراجع الروح الرسالية إضافة الى الحواجز النفسية التي صنعتها الثقافة الجاهلية جميعها كانت عوامل مساعدة في خلق هذا البرود الفكري الذي شجع النساء على البقاء بعيداً عن الخوض في الساحات العسكرية، لتُصد المرأة عن تفعيل دورها الرسالي في المجتمع.
التاريخ الإسلامي مليء بالروايات التي تتحدث عن نساء كانت لهن من الشجاعة والاقدام في مواجهة المواقف الصعبة التي تفوق ما عند الكثير من الرجال، وربما تضاهي شجاعة الشجعان منهم.
وقد سجلت المرأة تاريخا حافلاً بالشجاعة والبطولة للدفاع عن بيضة الإسلام وحفظ مبادئه السامية. فالشجاعة لا تعني فقط حمل السلاح وخوض المعارك، بل ان الشجاعة هي الثبات على المبدأ والدفاع عنه بالنفس والمال والولد.
غير ان ما حدث في معركة أحد فاق حدّ المستوى المطلوب من امرأة مركزها عادة في الخطوط الخلفية للمعركة. فعندما انهزم المسلمون، وجرح رسول الله (ص) فرّ اكثرهم من ساحة المعركة تاركين رسول الله (ص) وحده مع نفر قليل من أصحابه يدافعون عنه ويحمونه من الأعداء الذين احاطوا به.
نسيبة بنت كعب كانت واحدة من هذه الثلّة المؤمنة الصابرة الشجاعة التي لم تفرّ من الزحف، وقاتلت بين يدي النبي العظيم واصابها من ذلك جراحات كثيرة."(المرأة في نهج البلاغة/د.نجوى صالح الجواد).
فحينما تنهض المرأة تعطي زخماً مماثلاً لنهضة الأمة، بينما لو تعطلت عن ذلك لأضحت عقبة في طريق تطور ونهوض الأمة، وعلى النساء اليوم التفاعل اكثر في الميادين العسكرية وإبراز الأفكار والتحليلات العميقة التي سترفع من شأن المرأة وتعود بالنفع على المجتمع الاسلامي، ولكي تعود المرأة الى الميادين العسكرية بقوة اكبر يجب تذكيرها بالمسؤولية الكبيرة التي تحملها على عاتقها تجاه الإسلام، خصوصاً مع الوضع والتصديات التي نعيشها في الوقت الراهن، والخسارات الكبيرة التي ستلحقها بالأمة والإسلام في حال استمرت على منوال الجهل وعدم ادراك الوضع السياسي والعسكري الذي تمر به المنطقة، خصوصاُ بعد الهجمات الخطيرة التي تعرض لها البلد.
فالشواهد المتواترة على وجود المرأة في المجتمع الإسلامي وتبادل الحديث واستلام مهام قيادية كبيرة، جميعها مذكورة في كتب التاريخ والسيرة النبوية والصحابة والتابعين لهم.
ولكن يبقى الجهاد غير واجب على النساء الاّ في حالات خاصة وظروف معينة، فالمساهمة في الجانب العسكري لا يقتصر على حمل السلاح فقط، بل يتعدى ذلك ليشمل مساعدة الجرحى والنقل الإعلامي والتخطيط ودعم المجاهدين والمساندة، إضافة الى تشجيع المقاتلين، وبناء ثقافة الجهاد في اركان الأمة، وغيرها من شؤون الحرب الكثيرة.
إضافة الى ذلك نستطيع ان نقول بأن الساحة الإعلامية هي ساحة حرب أخرى لا تقل شأناً عن ساحة المعركة، لأن كل جندي خلف الشاشة يستطيع الجهاد من موقعه والتصدي للجهات الخبيثة التي تحاول زعزعة الأمن العسكري في البلاد.
فالمرأة الواعية والتي تتميز بخلفية ثقافية عسكرية تستطيع مواجهة وتصدي الهجمات القادمة من العدو، تلك الهجمات الخبيثة التي تحاول اضعاف عزيمة المجاهدين في سوح القتال، وبث اليأس في نفوس المواطنين.
كما لاحظنا كيف استغل تنظيم داعش الإرهابي المواقع الالكترونية، ليبث الخوف والرهبة في نفوس العالم ولكن بالمقابل كان هنالك جنود أقوياء منهن نساء كثيرات استطعنَّ مواجهة هذه الضربات ببسالة عالية.
وتبقى الخطوة الاولى التي من شأنها تعزيز القدرات هي استيعاب طاقات الأمة وخصوصاً شريحة النساء، والعمل على تطويرها، من بيئة البيت والمدرسة الى المرحلة الجامعية وما بعدها، وبلا شك ان الخوض في هذه الميادين امر صعب وغاية في الحساسية والدقة، ولكن عندما يكون الهدف واضحا ومستقيما، هنا نستطيع ان نجزم بأن جميع المصاعب تغدو لا شيء امام العطاء الدنيوي!. ففي هذه الحالة كل ما شعر الإنسان بالتعب والإرهاق نظر الى نور هدفه ليستمد منه القوة والأمل، فتراه يقف مرة أخرى ويكمل طريق الحق حتى النهاية.
اضافةتعليق
التعليقات