وتحسب أنك جـِرمٌ صغير ... وفيك انطوى العالم الأكبر
كلام يقوله امام المتقين وصاحب النسب الرفع الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، يحتاج إلى تأمل وتفكر لنعلم كم القوة التي بثها الله فينا لنصنع ونعمر ونخترع ونعالج ونجد الحلول لأصعب العلل والمشاكل الجسدية والنفسية والمالية، والمحزن المبكي أن هناك أناس تحجم وتقوض وتصغر وتقيد هذه القوة بحجج واهية.
أول رسالة وصلتني في إحدى الصباحات حين فتحت جهاز موبايلي كان من صديقتي المقربة جدا بعثتها لي في وقت متأخر من الليل.
تقول فيها: اليوم أشعر أن في داخلي سيدتين من عالمين مختلفين هل هناك بؤس أكثر من هذا؟. أحلامهن تفكيرهن، إحداهن مقيدة بسلاسل الخوف والضغط وغير الممكن والأخرى تجر أذيال الخيبة وترطب بشرتها بالتفاؤل وتمسد قلبها بطهر الإيمان.
أجبتها: عزيرتي للتو قرأت رسالتك، إن مشاعر الإنسان متقلبة، من الطبيعي بعد أن تواجهي الكثير من المشاكل في حياتك أن تشعري بالخوف أو القلق أو عدم الارتياح، ولكن يعجبني في كلامك الصمود والقوة الايمانية التي تحاولين الثبات عليها، وما دمتِ تحاولين فهذا هو المهم لأن المشاكل والصعوبات لها نهاية بالتأكيد.
وكلما كانت قوتك كبيرة استطعت تخطيها، فقط رتبي أفكارك ثم دونيها وستعرفين ما يشغل بالك بالفعل ويمنعك من النوم، وقبل كل هذا عليك أن تعلمي أنك لست الوحيدة في العالم التي تواجه هذه المشاكل بل كثير ممن واجهن مشاكل تشابه ما تواجهيه أو أكثر ضراوة وقسوة والجميع مررن بانكسارات ومصاعب تفوق ما تمرين به عشرات المرات.
إن مشكلتها تتلخص في رفض والدها للمشاريع التي تود القيام بها من باب التغيير في حياتها لتكون إنسانة عاملة منتجة وتطرد الملل والكسل الذي تشعر به، منذ أن توفي زوجها قبل سنوات وترك لها ولدا واحدا، وكما هي الأعراف ذهبت الى بيت والدها لتعيش معهم وهو من حرصه وخوفه عليها وتجنبا لكلام الناس الذين يعيش وسطهم يرفض أي مشروع تود أن تقوم به ويردد عليها (سدي باب بيتج واكعدي).
وتقول: هناك تأثيرات كثيرة انعكست على أفكار وآراء والدي منها أن والدي أمّي لا يقرأ ولا يكتب والخوف من كلام المحيطين والأقارب وفهمه الخاطئ عن حقوق المرأة والحفاظ عليها استمده من الوعاظ والخطباء أو هو فعلا وجد من الوعاظين من ملأ عقله بأفكار بعيدة عن الدين الاسلامي الذي يحترم حقوق المرأة.
والدي لا يعلم أن الانترنت عالم واسع كبير أكبر من عالمنا الذي نعيشه، فنحن نرى ونتعامل مع أشخاص معينين نبقى معهم طوال العمر في الواقع وربما نقضي أعمارنا في أماكن محددة مثلا منطقة واحدة ودولة واحدة، بينما العالم الافتراضي يريك أشخاص وأناس ومجتمعات وأماكن لم ترها أو تتخيلها.
فكيف لامرأة بلغت الخامسة والعشرين من العمر ترى وتسمع وتقرأ كل يوم الجديد والجديد وأن تقبع بين أربعة حيطان دون عمل أو تجديد؟.
إذن المشكلة تكمن في خوف والدك من خروجك من البيت؟
وعندما أجابت بنعم قلت لها ياعزيزتي هيا لنفكر في مهارة أو صنعة تتعلمينها مثل الخياطة أو الحياكة أو تعلم اللغة الانكليزية أو الرسم.... الخ.
تكلمي مع نفسك واعرفي ماهي هوايتك التي تستطيعين فعلها وأنت في البيت، اليوم وكما قلت الانترنت عالم واسع كبير أكبر من عالمنا الذي نعيشه، ولكن لا يجب أن نستخدمه بالشكل السلبي وأكثر السلبية على النفس هي مقارنة حياتنا بحياة من نشاهدهم في مواقع التواصل الاجتماعي.
إن لقطات السعادة والفيديوهات السفر والبهرجة كلها وقتية لا نعلم كيف يعيشون وأي عذابات ومشاكل مادية ونفسية وصحية يواجهون، فبإمكانك أن تحوليها إلى شيء ايجابي من خلال تعلم مهارة أو تطوير موهبة من خلال هذا العالم الذي في جيبك وبين يديك.
إن التغيير لا يحدث بسرعة أو من لا شيء، التغيير يحدث بعد التجربة أو المعاناة أو الرغبة القوية بالتغيير، كما لا يأتي التغيير الايجابي إلا من خلال التفاؤل والصبر على المصاعب، وأكبر مصدر للطاقة هو حُسن الظن بالله ولكل مشكلة حل.
اضافةتعليق
التعليقات