ما ان يحل شهر محرم الحرام حتى يستعد العالم لتجديد الحزن وتقديم المواساة لأهل البيت (عليهم السلام) بذكرى شهادة سيد شباب اهل الجنة الحسين واهل بيته (عليهم السلام) فتراهم يتهافتون نحو الخدمة الحسينية من نشر السواد ونصب الاعلام واقامة المآتم، من دون ان تدعمهم دولة او مسؤول، فجميعهم مسؤولين عن احياء عاشوراء هكذا يشعرون لمجرد رؤيتهم هلال شهر محرم الحرام..
هذا وعلى اختلاف اعمارهم ومكانتهم فالشيخ الكبير الذي يعجز في الايام الماضية عن الوقوف اليوم تراه يتحزم ويقف ليقدم وجبة من الطعام، والشاب الذي كان في الامس كسولا يعجز عن تقديم شيء لأسرته، يرتدي ملابسه السوداء وينظف الحسينية بكل فخر واعتزاز، يرتب الاحذية، يجهز الشاي، حتى ذلك الطفل الصغير الذي لم يتجاوز الخامسة من العمر، ينصب خيمة صغيرة امام داره وعليها بعضا من كؤوس الماء وصحون جاء بها من بيته..
وتلك الفتاة المدللة التي كانت تنزعج من نصائح والدتها تستمع لخطيبة المنبر وهي تطرح بعض النصائح للشابات وتدمع عينيها كلما ذكروا زينب (عليها السلام)، لو تعمقت النظر في احوال الشباب في شهر محرم الحرام ستجد تلك الحرارة التي قال عنها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) "ان لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لن تبرد ابدا"، هذه هي جمرة العشق الحسيني التي توقد في كل عام في صدور الفتية، ورغم تلك الكلمات التي يطبل بها المبغضين الا انهم يسبرون في طريق الاصلاح والرشاد، ويستلهم العبر والمواعظ من دروس الطف وان كان ذلك لم يظهر عليهم. ففي احد الايام جذبني حديث بعض الفتية حول الشعائر وكيف كانوا يقطعون من ارزاقهم من اجل المشاركة في ايصال القضية الحسينية في بلد ما وكان هذا البلد من البلدان الفقيرة، كنت مستغربة جدا، شباب يرتدون الزي الغربي ويتحدثون بلغة اجنبية، لو لم اسمعهم لقلت انهم شباب من هذا العصر ليس لديهم هوية انتمائية، وبمجرد سماعهم اسم عاشوراء تذرف دموعهم..
هؤلاء ارواحهم راقية قد جعل الله في قلوبهم حب الحسين وان غلب الظاهر على الجوهر يبقى الجوهر وهو اغلى ما يملكه الانسان في هذه الدنيا لذا قال الله تعالى (وعلى نياتكم ترزقون)، لذا عندما نرى فتية كهؤلاء يجب ان لا نزعجهم بملاحظاتنا وتعليقنا ونظراتنا لهم بالسخرية والتقليل من شأنهم فقد يكونون اقرب الى الحسين منا، والحسين يهدي من يشاء الى طريقه ويجعله من المقربين.
عندما يرى الشاب هذه النظرات والتعليقات والنصائح التي يسمعها من الخطيب او من المسؤولين (انت لا تصلي فلا تخدم الحسين، انت ترتدي الزي الاجنبي لا تدخل العزاء، قف جانبا انت لا تمثل الحسين، لا تجلس هنا، لماذا غيرت صورتك الشخصية وانت لم تغير نفسك) هذه الكلمات مؤلمة جدا وقد يضجر ويهرب الشاب، وقد يكون مجيئه هنا لهدايته واصلاحه، الا انكم لم تعرفوا كيف تزرعون حب الدين في قلبه وجعلتم الحسين ذريعة لهذه الافعال، ننتقد الشاب وان البعض نجدهم يأخذون الناس بالتعصب ويهملون مسألة الأخلاق الحسنة التي يدعو اليها الاسلام، وعمل بها الحسين (عليه السلام) في مواقف كثيرة في يوم عاشوراء. .
وما نحتاجه اليوم هو استيعاب الشباب للنهوض بالقضية الحسينية واحياءها، كما وصلت الينا، فكان لهم دور كبير في عاشوراء، منذ خروج الحسين واهل بيته وفتيانه (عليهم السلام) الى هذا العصر، فكل الثورات التي حصلت وخلدت كانت بفضل تلك الفتية الصالحة، فهم طليعة المستقبل وقادة الغد، وبهم يتصدى للظلم، فاكتسبوا قلوبهم وعالجوا اخطاءهم بمنطق الفكر والعقيدة وجادلهم بالتي هي احسن فننصح الشباب بالمواعظ الغير مباشرة وتقريبهم للمجالس واحتضانهم في سبيل تحقيق أهداف ثورة كربلاء، واغتنام فرصة حضورهم في الإكثار من العمل الثقافي وليس فقط الخدمي ..
الشباب والعمل في المخيم الحسيني
لقد ضرب الله امثالا كثيرة في همة الشباب منهم اصحاب الكهف، (نَّحْنُ نَقْصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ءَامَنُوا برَبِّهِمْوَزِدْنـهُمْ هُدىً)، ففي كل عصر هناك ثلة من الشباب الصالح.
الشباب الذين كانوا في معسكر الامام الحسين (عليه السلام)، فقدموا أروع الامثلة في الثبات والتضحية، وهذه خطوات ممكن الاستفادة منها في تواجد الشباب في الحسينيات والمواكب الحسينية.
اولا: معرفة الشاب بالقضية الحسينية وابعادها التاريخية وليس فقط الاكتفاء بالمصيبة.
ثانيا: مسؤولية الشاب في ايصال صوت الحسين من موقعه ان كان طالبا او عاملا او موظفا.
ثالثا: تسليط الاعلام على واقعة عاشوراء وقضية الاصلاح التي خرج بها الامام الحسين والعمل بها في المجتمع.
رابعا: عمل جماعي ثقافي ينفع في معرفة الشباب في الحسين (عليه السلام) منها الرسم، وطباعة الكتب، كتابة المقالات الثقافية، استغلال التكنلوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي في ايصال صورة ايجابية عن الشعائر، توزيع المنشورات التوعوية، تعليم الشباب فن الخطابة والالقاء، مما يجعل الشاب قادر على ايصال المعلومة سواء كان في المدرسة او في البيت او الشارع.
خامسا: مراعاة الاخلاق الاسلامية مع الاهل والمجتمع حتى تكون في مخيم الحسين (عليه السلام) واقامة العبادات والابتعاد عن كل ما يحزن قلب الحسين ويؤلمه، والحفاظ على نظافة المكان بعد الانتهاء من المجلس يدل على حرصك، وتذكر ايها الشاب الحسيني مهما كان العمل صغيرا في الخدمة يكون كبيرا عند الحسين فلا تستصغر اي عمل تقوم به.
سادسا: جعل الخدمة الحسينية خالصة لوجه الله وللتقرب من الحسين لا من اجل شهرة او اعلام فيذهب جهدك هباءا منثورا، ولو قدمتها خالصة لله ينمو عملك وتصبح من افضل الخدم واكثرهم كرامة كما يقال: (كل الخدم تنهان شفناها بالعين، بس بكرامة تعيش خدام الحسين)، اولئك الخدام المخلصين للحسين (عليه السلام) وقضيته .
اضافةتعليق
التعليقات