أقبل العيد الصغير وعادت معه حكاية اختلاف بدايات الأشهر العربية، وهي ليست كما يثار عادة فقط ـموضوع خطوط طول وعرض أو مراصد فلكية ولا هي أقمار صناعية، لكن لعلها أيضاً السياسة أو لنقل العند السياسي الطفولي بين الدول الذي تدخل فيما لا يجب أن يتدخل فيه!
علماء الشريعة يتفقون على جواز الرؤية من خلال المراصد بينما يختلفون في الحسابات الفلكية، بحكم أنها ليست حديثة بل كانت قبل مجيء الإسلام ولم يعتبر الشرع لاعتبارات ظاهرة وأخرى قد نجهلها. إن تنبؤات الفلكيين في المدة الأخيرة اختلفت مع بعضها البعض وذلك لحدوث تراكم من حالة اليأس لدى هؤلاء الفلكيين من عدم إتباع أغلب الدول العربية لحساباتهم وتنبؤاتهم، فأصبح جزء منهم يحور هذه الحسابات لتتناسب مع الواقع، وأغلب الواقع يتم إثبات الشهر مبكراً مع حدوث الاقتران للشمس والقمر وليس مع رؤية الهلال.
المرء يتفهم جيداً أن تختلف بدايات أي شهر عربي بين بلد وبلد إسلامي بعيد مثل باكستان مثلا، ولكن العجيب هو هذا التخالف، ولا أقول الاختلاف بين الدول العربية المتلاصقة وأسأل:
ماذا يعني هذا...!؟ هل قوّة إبصار أهل غرب الأردن أقوى من شرق الأردن؟ أم أنّ القمر في دورته العربية العجيبة يمر بفلسطين أولا ثم يميل إلى العراق ويعود بعدها إلى الأردن؟! أم أنه يهلّ على مصر ثم يخطف رجله للجزائر ليعود في اليوم التالي للمغرب كالشمس التي كانت تزاور عن أهل الكهف في سباتهم العميق الطويل؟ ولعل الاختلافات العربية وحساسيتها الصغيرة قد فعلت المستحيل فأصابت دورة القمر الفلكية بالخلل الشديد..
هل وصل بنا العند والتفكير إلى هذا الحد...؟
وإن لم نتوحد في يوم عيد، فمتى نتوحد...؟
أما عجيبة العجائب فهي أنّ سنّة العراق يفطرون وبعدهم بيوم شيعة العراق، هذا إذن هو الانفصال القادم، وإرهاصات التقسيم الواقع لا محالة تبدو طلائعه المشئومة في يوم عيد.
والبعض يطلب قمراً صناعياً إسلامياً (بالذات)! لتحديد بدايات الأشهر العربية، وهذا عجيب، فالأقمار تحلق في فضائنا بالمئات وأصغرها قادر على أن يقدّم لنا بيانات ببدايات شهورنا القمرية لمدة خمسين عاما مقبلة! ولكن يبدو أنّ هذا حرام، فهي ليست أقماراً ''إسلامية''.
فما هو القمر الإسلامي؟! أقصى ما يمكننا هو جمع تكاليفه ولكن من اخترع وصمّم وأنشأ هذه الأقمار؟! هل هم إسلاميون؟ العلم يا ناس لا وطن له ولا دين ولكن لمن نقول هذا؟!
ورغم اشتراك جميع الدول الإسلامية في جزء من الليل، إلا أنّ هناك فتاوى بالصوم والإفطار حسب الطلب وتبعاً للعلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء بين الدول ولذلك لن يكون عجباً أن نرى بعد ذلك بعض الدول التي تصوم في ذي القعدة أو حتى ذي الحجة تبعاً لفتوى أو رؤية هلال... كل هذا الضياع والخلاف ونجد من ينادي بتوحيد المقامات الموسيقية على مستوى الدول العربية والإسلامية حتى يكون هناك وحدة في اللحن والنغم.
وربما ينجحون في هذا المسعى وقد نجحوا في تحديد مواعيد بدء ونهاية البطولة العربية وتصفيات القارات وكأس العالم في كرة القدم ولكنهم فشلوا في تحديد أول أيام رمضان وأول أيام عيد الفطر.
وممّا لا شك فيه أنّ هذا الضعف قد عانينا منه أهوالا وشدائد على مرّ التاريخ مثل الأندلس وشرق أوروبا وضياع فلسطين وتقسيم السودان وتمزيق ليبيا وما يحدث الآن في سوريا واليمن والجزائر... فيما بقية الدول العربية الإفريقية لا تنعم بالاستقرار كما يجب وأياً تكن الأسباب في كل بلد إلا أن حالة من الفوضى تسود تلك البلدان ومن غير المعروف متى تنتهي؟.
وكل هذه الأزمات والخلافات تحدث بسبب ضعف الخلق وحب الدنيا والبعد عن رجاحة العقل وسيطرة الفكر المتطرف الذي يقوده شيوخ ودعاة الفتن الذين يأتمرون بأوامر الغرب وأمريكا.
وإلى هؤلاء الذين باعوا دينهم بدنيا البترودولار الزائفة... أقول:
أنّ الله حينما شرّع لنا الدين حذرنا من الفرقة والخلاف حينما قال عز وجل: ''أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه'' الشورى 13.
علينا أن نسرع الخطى لإزالة هذه الجفوة القائمة بين قادتنا وعلمائنا من أجل خير هذه الأمة التي كانت خير أمة أخرجت للناس حينما نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر.
نتمنى أن نرى اليوم الذي نصوم فيه معاً، ونحتفل بالعيد معاً وقبل أن يصبح شهر الفوازير أقصد رمضان مقتصراً على المسلسلات والبرامج والأفلام والأغاني.
اضافةتعليق
التعليقات