التعبير عن المشاعر فن يمارسه الأزواج الناجحون في الوقت المناسب بلا تكلف والبوح بالمشاعر حالة تلقائية صادقة تتدفق من القلب، وتهدى إلى الشريك الآخر عبر كلمات الإطراء وبأي طريقة مناسبة للإفصاح بشكل إيجابي عما يجول في الخاطر، وليس فينا من يدعي أنه لا يشعر بالزهو والنشوة عندما يتلقى مديحاً من الآخر، ولا ينتابه شعور بالارتياح عندما تصل إليه همسات الشريك الودودة والدافئة.
والواقع أن مجتمعنا المحلي لا زال يعاني من خلل ونقص فيما يتعلق بالبوح بالمشاعر في إطار العلاقات العامة، والعلاقة الزوجية بشكل خاص، إذ ينقص بعضنا رجالاً ونساءً الكثير من هذا الفن الضروري الذي نحتاج إليه في علاقتنا الإنسانية والزوجية.
ويلاحظ أن مجتمعنا يحمل في داخله من الطيبة والمشاعر الجميلة الكثير الكثير إلا أنه نادراً ما يبوح بها للآخر، في حين قد تجد مجتمعات أخرى تكثر من البوح بالمشاعر لمجرد المجاملة والمصانعة فحسب!.
وربما تعود أسباب الإحجام عن البوح بالمشاعر الطيبة في إطار العلاقة الزوجية لأسباب عدة منها:
التقاليد الاجتماعية:
تصور بعض التقاليد السائدة البوح بالمشاعر بين الأزواج على أنه خلاف الرجولة والفحولة، وأن الرجل في كلّ أحواله ينبغي أن يكون جاداً حاسماً، مقتصداً في كلماته، ولا يجوز له أن يتحدث بكلمات مائعة لينة وإلا فقد شخصيته ورجولته أمام المرأة، وزادها غروراً وغنجاً لا تستحقه، خصوصاً كما يعتقد هذا التصور - أن المرأة مهما فعلت وأنجزت وضحت في سبيل زوجها لا ترقى إلى مكانة الزوج، فيجب أن تشعر بشكل دائم أنها لا تستطيع الوفاء بحقه.
ومن جانب آخر قد يأخذها الزهو والغرور وتتجاوز مكانة واحترام الزوج وتعليماته فتفسد بالإطراء والمدح.
لكلّ ذلك ينبغي للرجل أن يتجاهل مشاعره تجاه شريكة حياته أملاً في الضغط عليها كي تستمر في أداء ما يطلب منها !
ولا شك أن هذا التصور غريب وخاطئ ويتصادم مع تعاليم الدين التي تأمر بالمداراة والرفق.. يقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم): "مداراة الناس نصف الإيمان، والرفق بهم نصف العيش" .
كما تأمر التعاليم الإسلامية بمكافأة الطرف الآخر على إحسانه وحسن صنيعه، فقد سئل الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن مكارم الأخلاق فقال: «صدق اللسان، والمكافأة على الصنايع" .ميزان الحكمة: ج3، ص147.
ومدح (صلى الله عليه وآله وسلم) من يداري الناس، ووصفه بالعاقل، وهذا يعني أن المداراة مكافأة الآخر ورد جميله، وامتداح مزاياه، ومن الجهل والسخف وعدم العدل مع الآخر تجاهل فضله ومزاياه بل يعد ذلك نوعاً من الإساءة والإجحاف بحقه وتنكراً لفضله!
كما ينبغي الإشارة إلى أن بعض العادات والتقاليد الاجتماعية لیست نصاً منزلاً، ولا حكماً شرعياً، بل هي عادات درج عليها الناس لا تعبر عن مفاهيم الدين الصحيحة بل ربما شوهت الكثير منها، وعليه ينبغي إعادة النظر فيها وتجاوزها، وأن نتأدب بآداب وأخلاق الدين وليس بعادات بعض الناس وتقاليدهم السيئة.
التفكير السلبي:
يتجه أكثر تفكير الناس في مجتمعاتنا نحو السلبية في علاقاتهم مع الآخرين، فعند تقويم الأنشطة أو الأفراد أو.. تنشط ألسنتنا في توجيه النقد واللوم والتوبيخ للآخرين، وتعلوا أصواتنا في البحث عن سلبياتهم وأخطائهم وعثراتهم، ولا نكتفي بنقد الأشخاص كما هم بل نعمل على تضخيم السلبيات، وتكبير الأخطاء، ونضيف عليها من خيالنا الواسع، كما نعبئ مشاعرنا ضدهم لأتفه الأسباب.. وعندما يتعلق الأمر بأفعالهم الحسنة وخدماتهم الجليلة، وصفاتهم الفذة التي تستحق الثناء والذكر الحسن فإن الكثير منا يلوذ بالصمت بل ويخفي مآثر الآخرين، وصفاتهم الرائعة، والايجابي فينا لا يعبر بوضوح عن تقدير الآخرين واحترامهم..
إن هذا التفكير عندما ينتقل إلى أجواء العلاقة الزوجية، فيبحث أحد الزوجين عن مثالب الآخر ونقائصه ويسلقه بلسان غليظ حاد، ويصليه بمشاعر القسوة والشدة وعند ذلك تحدث الكارثة.
إن من الجميل أن نقدر للآخرين معروفهم وخدماتهم فنشكرهم عليها بمشاعر يملؤها الصدق والوضوح.
فقد ورد في رسالة الحقوق المروية عن الإمام زين العابدين علي (عليه السلام): "أما حق ذي المعروف عليك فأن تشكره وتذكر معروفه» ميزان الحكمة، ج5، ص153.
وفي رواية أخرى يقول الله تبارك وتعالى لعبد من عبيده يوم القيامة : "أ شكرت فلاناً؟ فيقول: بل شكرتك يارب، فيقول: لم تشكرني إذا لم تشكره". ميزان الحكمة: ج5، ص153.
اضافةتعليق
التعليقات