إن وجهات النظر التي تدرس تأثير وسائل الإعلام على المخاطبين تشتمل على ثلاث مراحل مختلفة ومتباينة تماماً وهي:
1 مرحلة القدرة المطلقة لوسائل الإعلام.
2 مرحلة التأثير المحدود لوسائل الإعلام.
3 مرحلة وسائل الإعلام القوية.
مرحلة القدرة المطلقة لوسائل الإعلام:
امتدت هذه المرحلة التي هي المرحلة الأولى، منذ بواكير القرن العشرين وحتى نهاية عقد الثلاثينات من القرن الماضي. وهي تشير إلى التأثير القوي والمتشابه نوعاً ما لوسائل الإعلام. وتنطلق نظرية الطلقة السحرية والتي تسمى أيضاً «إبرة الحقن» و«حزام النقل» أيضاً، من هذا الاعتقاد وهو أن الخطابات والرسائل الإعلامية، تؤثر بشكل قوي جداً ومشابه على جميع المتلقين لها.
وثمة فكرة سائدة لدى عامة الناس والمثقفين عن أن وسائل الإعلام لديها قدرة خارقة وباستطاعتها تغيير الأفكار وقلبها وإعطاؤها شكلاً جديداً وهي تقوم بترشيد السلوكيات وفقاً لما تراه هي مناسباً وقد أصبحت الدعايات الإعلامية ذات قدرة فائقة جداً خلال الحرب العالمية الثانية وجراء استعانة الحكومات الدكتاتورية في أوروبا وكذلك النظام الثوري الجديد في روسيا بوسائل الإعلام خلال الأعوام ما بين الحربين الأولى والثانية؛ ترسخت في العقول فكرة القدرة المطلقة لوسائل الإعلام.
ومن وجهة النظر هذه، كان المضمون هو العامل الذي له الدور الأكبر في إيجاد هذه التأثيرات. واليوم فإن الباحثين في مجال الاتصالات يعتبرون تلك المرحلة هي مرحلة السذاجة وقلة الخبرة. وبالطبع ما زال هناك من هم مثل البابا جان بول يعتقدون أن وسائل الإعلام العامة قامت والتلاعب بالأفكار والتشجيع على بالنقل والاتجاه نحو العواطف الانغماس في الملذات».
مرحلة التأثير المحدود لوسائل الإعلام:
بعد انتهاء حقبة القدرة المطلقة لوسائل الإعلام، أي منذ بداية عقد الثلاثينات وحتى نهاية عقد الستينات، كان هناك من يشكك في وجهة النظر هذه حيث ظهرت نظريات التأثير المحدود لوسائل الإعلام وكشفت الأبحاث التي قام بها كارل ها فلند (Havland) مع فريق باحثي جامعة بيل والتي بدأت منذ العام 1942، عدداً من العوامل المؤثرة في عملية التغيير، مثل خصائص المتلقي وفي الجانب الآخر، فإن الأبحاث التي قام بها فريق من باحثي جامعة كولومبيا برئاسة بيل لازار سفيلد، بينت أن قدرة وسائل الإعلام على تغيير نظرة الأفراد هي أقل بكثير مما كان متوقعاً، حيث إن اختيار الفرد لخطاب وسيلة الإعلام والعلاقات القائمة بين الأفراد مؤثرة في هذا المجال أيضاً ويعتقد جوزيف كلابر (Clapper)، أن وسيلة الإعلام ليست هي وحدها السبب الكافي للتأثير على المتلقين عادةً، وهي تعمل بمثابة جزء من مجموعة عوامل وسيطة فقط.
وفي هذه المرحلة، أصبح دور الخصائص الفردية في فوسائل الإعلام لن تكون مؤثرة مهما كانت الظروف، فإذا كان من لوسائل الإعلام، فإن جان كازنو يعتبر المقرر الأخذ بالاعتبار أي تأثير أن التأثير مهماً، هذا التأثير هو تثبيت الأفكار الموجودة لدى الأفراد وإعادة ترميم خلفياتهم المعرفية ورؤاهم، وليس إيجاد نظرة جديدة لديهم.
مرحلة وسائل الإعلام القوية:
وبدأت المرحلة الثالثة منذ نهاية الستينات من القرن المنصرم وهي مستمرة إلى يومنا هذا وهي مرحلة يتم التركيز فيها على التأثيرات الفعلية والكامنة لوسائل الإعلام العامة؛ إلا أن هذه التأثيرات تستند على الفهم المعدل والجديد للعمليات الاجتماعية ووسائل الإعلام. فإحياء فكرة وسائل الإعلام القوية كانت مرافقة لاهتمام أكبر بمعرفة دور المتغيرات الوسيطة مثل البنى والدوافع الاجتماعية والمعتقدات والآراء والإيديولوجيات والنماذج الثقافية والأنماط المؤسسية لما تنتجه وسائل الإعلام العامة وإبداء دقة أكبر فيها.
وبالطبع فإن إحياء الفكر الماركسي في هذا الخضم خلال سنوات عقد الستينات من القرن الماضي الذي كان يؤكد التأثير القوي لوسائل الإعلام على ممارسة الرقابة وإضفاء الشرعية على مصالح الحكومات الرأسمالية والبيروقراطية، قد لعب دوراً مؤثراً في هذا المضمار.
وفي الحقيقة إن نظريات وسائل الإعلام القوية، هي صيغة معدلة لنظريات المرحلة الأولى، حيث تم خلال هذه المرحلة المزج ما بين العوامل الفردية والمضمون. وبالطبع لا بد من الانتباه إلى أن التأثيرات القوية لوسائل الإعلام لا تظهر بهذه البساطة بشكل عام، ولكن تظهر عندما تتم الاستعانة بالشكل المطلوب وفي الوقت المناسب بالتقنيات الصحيحة للاتصالات.
وبعد هذه المراجعة العامة لوجهات النظر الموجودة حول تأثير وسائل الإعلام، من المفيد الانتباه إلى إيضاحات أحد الخبراء بهذا الخصوص: فهو يقول إنه من الممكن الاستدلال بأن أهم دليل التغيير وجهات النظر بخصوص تأثير وسائل الإعلام بالاعتقاد بداية أن لها تأثيرات قوية.
ومن ثم الاعتقاد بعد ذلك أن تأثيراتها كانت محدودة ثم عاد تأثيرها إلى قوته وكل ذلك تكمن في التغييرات الاجتماعية الحاصلة في العالم خلال هذه المرحلة، ففي عقد الثلاثينات من القرن الماضي كان تأثير وسائل الإعلام العامة قوياً؛ لأن الركود الذي رافق الحرب والتيارات السياسية وفرت أرضية مناسبة لأنواع خاصة من التأثيرات. وعلى المنوال نفسه فإن الظروف العادية خلال عقد الخمسينات والستينات من ذلك القرن أدت إلى طرح أنموذج التأثيرات المحدودة؛ إلا أنه في نهاية عقد الستينات التي كانت ملازمة لمرحلة الحرب والنزاعات السياسية والتضخم، وضعت أساليب راديكالية في مواجهة البنية الاجتماعية وجدت طريقها إلى وسائل الإعلام».
اضافةتعليق
التعليقات