هاهي أقدام الأربعين تقترب من عتبة عمري بخطوات عنيفة، عقارب الزمن تصارع اللحظات لترمي بزهرة شبابي على مقصلة الخوف، عيون العابرين تشنق احلامي الصغرى، وانا اتمتم شهادتي... حتى تأملت ما يحصل حولي، مقصلة!، شهادة!، عنف!، عقارب زمن!، هل يريدون اعدامي فقط لأني تجاوزت الأربعين؟، هل هذه "الكاميرا الخفية" ام ماذا؟!.
عدت الى وعيي ونزلت من المقصلة، خلعت الزي البرتقالي الذي يشبه لون عاداتهم البالية ونطقت جملتي بفائق السخرية: تريدون اعدامي فقط لأني عانس؟، رفعت حاجبي وكسرت صمتي بضحكة عالية، مسكت "المايك"، واعتليت المنصة، وقفت بكل جبروت وتحدثت مع الجمهور بأعلى ترددات صوتي: أحبائي الجمهور، تجاوزت الأربعين من عمري نعم!، بدأت التجاعيد تظهر على ملامح وجهي نعم، انا عانس نعم!، ولكن، هل أستحق ان تلفوا حول عنقي حبل العادات بتهمة العنوسة؟!، انا يا سادة بريئة مما تدعون. عندما بلغت الخامسة عشر من عمري، تفتحت إقحوانتي وتمنيت لو يأتي شاب من العصر الذهبي يعتلي حصانه الأبيض، او بالأحرى سيارته (الرانج روفر) البيضاء، يأخذني الى قصره الذهبي واعيش معه حياة رغيدة، وانجب منه طفلة شقراء، ولكن هذا الشاب استشهد في الانفجار الذي استهدف مدينتي، ولم يسعه الوقت كي يأتي ويتزوجني...
وما ان تجاوزت الخامسة والعشرين انخفض سقف توقعاتي، تمنيت شاباً ذا حسب ونسب بوظيفة محترمة، وراتب لا بأس به، أنجب منه طفلة سمراء!، ولكنه لم يأتِ لأنه كان مشغولاً في محاربة داعش ولم يكن فارغاً ليترك ساحات القتال للعدو ويأتي يتزوجني وينقذني من كابوس العنوسة!، وما ان تجاوزت الثلاثين.. تغيرت نظرتي للحياة، وقلت لنفسي: الغنى غنى النفس، وماذا يعني لو تزوجت شاباً فقيراً وانجبت منه فتاةً سوداء؟!. ولكنه ولسوء حظي لم يأتِ ايضاً، لأنه هاجر الى المانيا... وتركني هنا اصارع مصطلح العنوسة وحدي.
ما ذنبي انا اذا كان بلدي يعاني من ازمة رجال، لأن اعداد النساء تفوق اعداد الرجال، او لأن الشاب العراقي هاجر الى الخارج او لا زال مشغولاً في محاربة داعش، او لأن اغلب النساء المتزوجات يرفضن مفهوم تعدد الزوجات..
او لأن والدي الكريم يحلم بمهر خرافي على أمل انه سيضمن به مستقبلي الذي لن اعيشه حتى، او كارثة امي التي تحلم بعرس ملكي لا يستطيع دفع تكاليفه الاّ ابن الملك!.
تلفّون حبل العادات المتأخرة على عنق المظلوم، وتتركون الظالم يسرح بحرية؟!، جعلتم من مصطلح العنوسة مسبة توجهونها للفتاة التي فاتها قطار الزواج!. ماهذا بربكم، حتى وان كانت الفتاة راضية بقدرها، انتم من ستكرّهونها بنفسها.. وكأن الحياة ستتوقف بسبب رجل!.
لو كنتم كما تدعون اعدموا الظروف، والحروب التي باتت تقطف زهور شبابنا، وتنازلوا عن المتطلبات الملكية، راعوا الشباب في مسألة المهر، ثم تعالوا واطلقوا عليَّ وعلى مثيلاتي مصطلح العنوسة.
اظنني وبكل الأحوال سأبقى جالسة في مطرحي، انتم تندبون حظي العاثر الذي تركني بلا زواج، وانا الوم الحروب، الظروف، امي، وابي، وحتى سقف توقعاتي الهابط! الى ان اتزوج بمعجزة الهية ويشملني العفو من تهمة العنوسة، صدقوني يا سادة لو بلغت التسعين من العمر سأبقى أنتظر فارس احلامي، وسارتدي الفستان الابيض، وسأنجب منه طفلة جميلة، وسأغيض عذالي... لأن شعاع الأمل الذي يسكن وسط فؤادي من المستحيل ان ينطفىء.
اضافةتعليق
التعليقات