عُنيت الشريعة الإسلامية بالزواج عناية كبيرة وأولت له اهتماماً واسعاً ولم تأتِ آيات القرآن الكريم في تعبيرها عن الزواج إلّا رقيقةً حانية، ففي سورة الأحزاب يصفه "ميثاقاً غليظا" وفي سورة الروم عبر عن الزواج "بالسكن" الذي يأوي إليه الإنسان بعد تيه وجعل عماده "المودة والرحمة" فالإسلام يرى الزواج "شراكة إنسانية" و"علاقة سامية" وبواقع الحال فإن أي علاقة بين شخصين لن تمر على ما يرام دوماً فيجب أن تصادفها بعض المشكلات بين الحين والآخر وقد تصاب العلاقة بنوع من الفتور والملل وهو أمر طبيعي ووارد الحدوث، ولكن من غير الطبيعي أن يلجأ أحد الشريكين إلى القيام بمقارنة سلبية بين شريكه وشخص آخر (قد يكون شريك أحد الأقارب أو الأصدقاء وفي بعض الأحيان شخصية وهمية) وغالباً ما تكون مقارنة ظالمة بحيث تركز على سلبيات الشريك وإيجابيات الشخص الآخر وتتجاهل إيجابيات الشريك وسلبيات الشخص الآخر، ما يسبب الكثير من الآثار التي قد تكون مدمرة على الحياة الزوجية برمتها.
فقد تقع الزوجة في هذه المقارنة، بأن تفاضل بين زوجها وبين غيره وتنظر لعرض من أعراض الدنيا كمسكن أفضل أو إنفاق أكثر، أو تقارن بين زوجها وبين غيره ممن يتفوق عليه في بعض الأمور كجمال الشكل والوسامة، فنراها تردد: ("لماذا زوج صديقتي لديه كذا و زوجي لا يملك شيء؟", "أتمنى لو أن زوجي يقضي مزيدًا من الوقت مع أولادنا كما يفعل زوج فلانة", "المشهور فلان يأتي بالهدايا لزوجته كل يوم و زوجي لا يفعل", "أتمنى لو كان زوجي جميل ووسيم مثل بطل المسلسل الفلاني").
وكذا الحال بالنسبة للرجال فتجده يتذمر ويقارن زوجته بغيرها من الزوجات الأكثر جمالاً منها مثلا، أو يقارنها بمن هي أفضل من زوجته في أي مجال آخر مردداً:
("انظري إلى زوجة أخي وحاولي أن تكوني مثلها", "ليت زوجتي جميلة وشقراء مثل بطلة الفيلم الفلاني", "أتمنى لو كانت زوجتي موظفة مثل زوجة صديقي").
هذه المقارنات يمكنها أن تتسبب في إثارة غضب العديد من الأزواج، وقد تكون هذه الحادثة بداية النهاية لعلاقة الصداقة بينهما بل إذا استمرت قد تؤدي لانهيار الأسر وضياع الأبناء.
عوامل ساعدت على انتشار ظاهرة المقارنة في الحياة الزوجية
1- أحلام المراهقة والأمنيات:
فمنذ الصغر تتلقى فتياتنا مقاييس ومواصفات لفارس الأحلام تجعله أقرب إلى رفيق في الجنة لا زوج في الدنيا، ويتوقعن أن يعشن في عالم وردي يملؤه الحب مع زوج صالح يمثل ينبوعًا لا ينضب من الحب والحنان والرحمة والوسامة والغنى ولأن الحياة دائمًا ليست مثالية والأزواج بشر يصيبون ويخطئون, تبدأ الزوجة في مقارنة زوجها بشخصية فارس الأحلام الذي تحتفظ به في خيالها منذ الطفولة أو المراهقة.
2- الفضائيات:
يقع بعض الأزواج فريسة للفضائيات التي تروج معايير جديدة للجمال تجسده نجمات التلفاز والأفلام، ويدخل كثيرون منهم في مقارنة بين شريكات حياتهم وعيون إحدى الفنانات وخفة دم إحدى الصديقات، وهم يجهلون ما لهذه المقارنة من أثر سلبي على نفسيات زوجاتهم، ويحدث الشيء نفسه مع الزوجات اللواتي لا يترددن عن المقارنة السلبية بين وظائف أزواجهم ومرتباتهم وسياراتهم، وبين ما يمتلكه وما حققه غيرهم من الأزواج.
3- مواقع التواصل الاجتماعي:
عززت مواقع التواصل الاجتماعي رغبة الأفراد على البقاء مطّلعين ومتصلين بما يحدث حولهم، سواء على مستوى الأصدقاء والمعارف أو حتى على مستوى المشاهير الذين لا يمتّون لهم بصلة وقد وجدت الكثير من الدراسات الحديثة أنّ غالبية مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعيّ يعتقدون أنّ غيرهم من المستخدمين أكثر سعادةً ورضا واستقراراً ونجاحاً منهم، ما يؤثر سلباً على نفسيتهم أو قد يكون باباً للاكتئاب والشعور بعدم الرضا حيال حياتهم وعلاقاتهم الزوجية.
سلبيات المقارنة
1- انعدام السعادة:
ينعدم الشعور بالسعادة لدى الزوج لأنه يهمل ما في الشريك من صفات جيدة من الممكن أن يسعد بها ويركز مع السلبيات والأمور التي يفقدها الشريك فقط, فلن يشعر الزوج بالسعادة أبداً طالما بات منشغلاً عن الشريك وعن الحياة الزوجية بالمقارنة بأزواج آخرين.
2- خلق فجوة:
ما إن تبدأ المرأة بمقارنة زوجها برجل آخر إلا وتتباعد المسافة بينها وبينه ومن هنا تحدث الفجوة بينهما لأنها منشغلة بالمقارنة بينه وبين غيره وهو خطأ فادح لأنها ترى من الرجل الآخر ظاهره فقط وتظن أنه أفضل من زوجها ويعد ذلك أخطر ما في الأمر.
3- تدمير الحياة الزوجية:
إنّ تلك المقارنة تؤدي إلى الغيرة بين الزوجين والتي قد تصل إلى حدود الشك والعدائية وتجعل الزوجة غير متقبّلة لأخطاء زوجها وكذلك الحال بالنسبة للزوج أيضاً، وبالتالي تبدأ مرحلة النفور بين الزوجين ويعم التوتر ليسيطر على الحياة الزوجية مسبباً تدميرها بانفصال الزوجين عن بعضهما البعض.
نصائح للتخلص من المقارنة في الزواج
1- الشخصية كالبصمة:
يؤكد علماء النفس أن الشخصية كالبصمة لا تتكرر أبداً حتى في التوائم ومن هذه القاعدة لا يمكننا مقارنة أحد بأحد فلكل شخص أطباعه وشخصيته المنفصلة والمختلفة عن أيّ شخص آخر، وهذا ما يجعل المقارنة غير صحيحة ومرفوضة من الأساس لأنها تؤدي إلى إلغاء الآخر، لذلك من الضروري أن يحترم الشريك الطرف الآخر ويكون على يقين بأنّ كل إنسان ينفرد بشخصيته لكي لا يقوم بتلك المقارنة غير المنطقية فكل شخصية فيها إيجابيات ولها سلبيات.
2- ليس كل ما يلمع ذهباً:
من المهم أن تتذكّر دائماً أنك ترى في زيجات الآخرين، ما يريدون منك أن ترى، بمعنى أن كل زوجين يصدران صورة خارجية لزواجهما، قد لا تكون بالضرورة معبّرة عن حقيقة علاقتهما, فدائماً ما يحاول الناس تصدير صورة مثالية عن أنفسهم للعالم، وزادت المبالغة في هذا السلوك في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، لهذا أنت يومياً تشاهد عشرات الصور الجميلة لأزواج تبدو حياتهم سعيدة ومثالية، ولكن عليكِ النظر بحذر إلى هذه الصور، وتذكّر أنها ما هي إلا صورة خارجية يصدرها هؤلاء الأزواج، لا يستطيع أحد سواهم معرفة ما يدور في كواليسها.
3- القناعة كنز لا يفنى:
فالشواهد الواقعية كثيرة، وكثير من الأزواج لديهم شركاء وأوضاع أفضل من غيرهم على كل حال. فعلى سبيل المثال: التي تسكن في الإيجار أفضل من التي لا يجد زوجها قيمة الإيجار، والتي لدى زوجها سيارة عادية أو لديه سيارة ليست جديدة أفضل من تلك التي ليس لدى زوجها سيارة أصلاً والذي يرى أن زوجته ليست جميلة هو أفضل من الذي يملك زوجة سيئة الخلق.
فلا داع لكل هذه المقارنات العقيمة والتي تعتبر أسرع وصفة لخراب البيوت, والحل في أن يصبر كل زوج على زوجته ويقبلها بعيوبها، ويرضى بما قسم الله له، والزوجة أيضا إذا طبقت هذه القواعد واحتكمت لهذه المبادئ فستحيى في هناء وترفرف على البيوت أعلام السعادة.
اضافةتعليق
التعليقات