المشهد الصباحي كان يقتصر بالعادة على فنجان قهوة وممارسة رياضة الركض لمدة نصف ساعة يحاول بها الاستعانة على بقية تفاصيل يومه مُعتقداً أن الرياضة الصباحية تُخفف التوتر وتزيد الانتاجية وتُقلل من أمراض القلب !
وحين بادرته بالسؤال من أخبرك بهذا؟
دكتوري فعل، فقد شدَّد عليَّ وأخبرني بـوجوب جعل ممارسة الرياضة عادة يومية من أجل صحة نفسية وجسدية أعلى وأنا اقتنعتُ بكلامه ومُنذ ذلك الحين وأنا أُمارس رياضة الركض كعادة صباحية!
هذه كانت إحدى مشاهد الصباح التي يسعى بها لقتل ملل الروتين وملىء الفضاءات التي تجلب له التعاسة بحد قوله !.
المشهد الثاني كان يحتوي صراعاً داخلياً يمتدُ لأجزاء من الثانية ! هل أسير بالمسار المُستقيم أم لا بأس بالسير عكس الإتجاه (رونك سايد) من أجل كسب بعض الدقائق خاصةً وأن هذا الطريق لا رقيب فيه ولا رجل مرور ولا حتى كاميرات! في كل مرة كان يدخلُ في هذا الصراع ويخرجُ منه منتصراً مخاطباً نفسه: هلك من لم يملك (واعظاً من نفسه).
أما المشهد الثالث فقد كان حانياً لدرجة إنك تستشعرُ حنانه يحتويك بكل ما فيك من دهشة .. فقد فاجئتني وأنا أراها تحمل بين يديها الزاكيتين (نبتة خضراء) تبسمتُ بوجهها وأخبرتها ما هذا؟
كنا بطريقنا لزيارة إحدى صديقاتنا التي حل المرض ضيفاً خفيفاً عندها إن شاء الله ، قالت هذا شيء بسيط لسلامتها ..
ومن أين أتيتِ بهكذا فكرة ، أنكِ تُهدينها نباتاً بدلاً من كيس حلوى كما إعتاد الجميع أن يفعل ؟
فقالت : وهل يصح أننا نُهدي (عادات سلبية) ؟ أليست الحلوى مُضرة بالصحة ؟ ثم كيف يمكن إهداء ما يضرُ بالصحة لروح تأنُ من المرض ؟
تتعدد مشاهد الحياة بتفاصيل لا تكاد تنحصر بين دفتيَّ ورق وحبر ونمارس باليوم الواحد مئات من العادات بعضها نفعلها دون وعي تحت سطوة العقل الباطن والأخرى بوعي ومجهود وقد يتناسى البعض خطورة عاداته وكيف إنها تصنع (ماهو عليه غداً).
يقول المولى أمير المؤمنين علي أبن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليه) :
وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يُحْصِيَ عَلَى نَفْسِهِ مَسَاوِيَهَا فِي الدِّينِ [وَفِي الرَّأْيِ] وَفِي الْأَخْلاَقِ وَفِي الْآدَابِ فَيَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي صَدْرِهِ أَوْ فِي كِتَابٍ ثُمَّ يُكْثِرُ عَرْضَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَيُكَلِّفُهَا إِصْلاَحَهُ وَيُوَظِّفُ ذَلِكَ عَلَيْهَا تَوْظِيفًا مِنْ إِصْلاَحِ الْخَلَّةِ وَالْخَلَّتَيْنِ وَالْخِلاَلِ فِي الْيَوْمِ أَوِ الْجُمُعَةِ أَوِ الشَّهْرِ.
فَكُلَّمَا أَصْلَحَ شَيْئًا مَحَاهُ وَكُلَّمَا نَظَرَ إِلَى مَحْوٍ اسْتَبْشَرَ، وَكُلَّمَا نَظَرَ إِلَى ثَابِتٍ اكْتَأَبَ وعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَتَفَقَّدَ مَحَاسِنَ النَّاسِ وَيَحْفَظَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَيَتَعَهَدَهَا بِذَلِكَ مِثْلَ الَّذِي وَصَفْنَا فِي إِصْلاَحِ الْمَسَاوِئِ ..
وأكاد أجزم يقيناً أن علماء التنمية والنفس لو إجتمعوا جميعاً على أن يأتو بمثل هذا الدستور السماوي في مراقبة النفس ومحاسبتها وبناء عاداتها الحميدة وإصلاح ما فسد منها لما إستطاعوا الاتيان ولو بكلمة !
فالمولى هنا يُدخلنا في مختبر علمي يجري تجاربه بكل دقة من أجل الوصول لـالهدف المرجو منا في هذه الدنيا !
فأنت حتى تتمكن من إصلاح نفسك لابد وأولاً من الوقوف عليها ومعرفتها لأنك على نفسك بصيراً ثم تدوين ما صلح منها وما فسد من أجل البدأ بعملية البناء والإصلاح ولعل العلة في التدوين من أجل الاقرار وعدم النسيان أو التغافل ولأن العقل البشري بطبيعته يميل لخلق التبريرات والأعذار فمتى ما رآه ماثلاً أمامه مكتوباً كان أدعى للبدأ بعملية الإصلاح ..
إكتساب العادات وتغييرها عملية مُعقدة وليس بالسهلة فإنك حتى تبني الجديد تحتاج لكي تهدم القديم فلا يصح البناء على الأنقاض !
وحتى تتمكن من هدم القناعات المُسبقة والموروثة من المجتمع أو الأسرة فأنت تحتاج لتملك من المرونة النفسية ما يكفي ليجعلك (غير قابل للكسر) وهذا ما يوضحه المولى صلوات الله وسلامه عليه :
١- فالعاقل وحده من يدرك خطورة هذا الأمر ولذا فإن هذا الخطاب موجه لكل ذي عقلٍ لوجوب توفر هذا العنصر حتى يعي المطلوب.
٢- ضرورة أن يتحلى الإنسان المؤمن بـبصيرة ثاقبة تمكنه من الوقوف على جادة الحياد ليحصي مساوىء نفسه في الأخلاق والدين والرأي مُبتعداً عن فخ التبريرات والتنصل من المسؤولية فلا ينشغل إلا بعيوبه وكيفية إصلاحها دون مراقبة الناس والإنشغال بهم وهذا لابد وأن يُدوَّن حتى يرى ثماره على أرض الواقع وحتى لا يكون فريسةً لـآفة التكبر والغرور التي تُثبط العزيمة وتجعله يستكثر القليل من أعماله فيتقاعس في إصلاح نفسه؟.
٣- التكليف الشرعي الذي لا يسقطُ تحت أي ظرف أو حكم هو إصلاح النفس واليقظة الدائمة حتى لا تسقط في مسالك الغفلة فـأغلب مجتمعنا اليوم صار يِعاني من نُدرة في الأخلاق الفاضلة وأعمال البر ووفرة بـأعمال الشر والسوء فالكذب والخيانة والرشوة والغيبة والأنانية وعدم حُب الخير والاخلاص والصدق صار من الأشياء البديهية والمُسلم بها والنادر هو أن ترى صادقاً أو مُخلصاً أو مُتقناً لعمله إذ نعاني اليوم من المفاهيم المقلوبة وضياع الهوية الاسلامية العلوية في عاداتنا وأفكارنا وسط هجمة شرسة هوجاء لا تعرفُ صغيراً ولا كبيراً ولا مؤمناً ولا مفسداً بل تُصيب الجميع إن لم يحترزوا منها.
٤- عملية البناء والاصلاح تحتاج لإطار زمني يحكمها ولن تحدث بيوم وليلة ولهذا تحتاج لفتيل العزيمة والإرادة وعُدة الصبر من أجل الاستمرار فالبعض يحتاج لأسبوع والآخر إحدى وعشرون يوماً ويذهب البعض لشهرٍ وحتى السنة من أجل إكتساب عادة حميدة.
٥- القلب البشري بطبيعته ملول يميل لـالتقلَّب والتغيير ولأنه هو النافذ في إدارة هذه الأمور فلابد وتفعيل قانون المكافئة والعقاب (التشجيع والمحاسبة) فإن أحسن فـكافئه وإن أساء فاجعل له جزاءً لسوءه .
٦- الإنسان المؤمن الفطن هو الذي يستفاد من تجارب الآخرين فيأخذ الصالح ويدع الفاسد فالمولى يقول: في التجارب عِلمُ مستحدث وهذا يعني إنك في مدارج الرُقي مستعداً لـالتعلم وكسب المرونة والاقتداء بالآخرين دون أن تأخذك العزة بالإثم فتكون عنصراً مُتعصباً غير قابل لتعلم، فعملية التفقد بمعنى البحث والتنقيب من أجل الفوز بالنفيس النادر فكل حكمة أو فعل تلاحظه من غيرك ويفتح أمامك آفاق للخير إحصده ولا تدعه !
الصحوة الأخلاقية والدينية التي نحتاجها في مجتمعاتنا اليوم هي ضرورة عاجلة تقع على كل فرد منه فكلكم راعٍ وكلكم مسؤولية عن رعيته !
فإحياء ماجاء به نبي الرحمة (صلوات الله عليه) من الفضائل والمكارم (فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمدٍ (صلى الله عليه وآله) هو من أهم واجب المؤمن المُنتظر لإمام زمانه ليُجدد ما عُطِل من أحكام كتاب الله وعترته ..
اضافةتعليق
التعليقات