توصل علماء للجينات المسؤولة عن طول القامة في دراسة وصفوها بالأضخم، لينجحوا بذلك في حل لغز غامض كان يؤرقهم لسنين طويلة.
ولفهم وراثة طول القامة بصورة وافية، عمد العلماء إلى تحليل بيانات خاصة بالجينوم البشري -أو الطاقم الجيني للإنسان- لأكثر من ربع مليون شخص.
ووضعوا على أثر ذلك أيديهم على ما يقرب من 700 من الفروق الفردية الوراثية، وما يتجاوز 400 منطقة على الجينوم تختص بصفة الطول عند الإنسان.
وتشير التقديرات إلى أن صفة طول القامة أو قصرها تعزى إلى الوراثة بنسبة 80 في المئة، في حين تمثل التغذية والعوامل البيئية الأخرى نسبة العشرين في المئة الباقية.
وأصبح متوسط طول قامة الإنسان أكبر في العالم على مر الأجيال القليلة الماضية، بسبب عوامل عدة منها تحسين نوعية الغذاء.
وقام وفد دولي من الباحثين بتحليل بيانات مستقاة من جينوم 253288 شخصا من أصول وأنسال أوروبية، ومن أوروبا نفسها، ومن أميركا الشمالية واستراليا، حسب الدراسة التي نشرت في دورية "نيتشر جينيتكس".
وظل الباحثون يتتبعون نحو مليونين من الفروق الوراثية الشائعة في هؤلاء الأفراد، ووضعوا أيديهم على 697 اختلافا وراثيا في 424 منطقة جينية تتعلق بطول القامة.
وقال الباحثون إن الكثير من الجينات التي حددتها الدراسة بدقة، ربما تكون من العوامل المهمة في تنظيم نمو الهيكل العظمي، إلا أنه لم يكن دورها معروفا من قبل.
ويرتبط بعض هذه الجينات بمادة الكولاجين، أحد مكونات العظام، وأيضا مادة كبريتات الكوندرويتين المسؤولة عن تكون الغضروف وصفائح النمو، وهي مناطق ضمن الأنسجة المسؤولة عن النمو وتقع قرب نهايات العظام الطويلة في جسم الإنسان.
إلا أن العلماء يقولون إنه لايزال أمامهم الكثير الذي يتعين إدراكه، ومن بينهم فتيموثي فرايلينج، عالم الوراثة بجامعة اكستر البريطانية، الذي كشف عن بعض هذه الشكوك.
وقال "وجدنا الاختلافات الوراثية -وهي مناطق في المادة الوراثية دي أن إيه التي تختلف من شخص لآخر- والتي تمثل 20 في المئة من المكون الوراثي للاختلافات العادية في طول القامة".
وأضاف "يمكن مقارنة ذلك بوضع كان سائدا عام 2007، عندما كنا لا ندري شيئا على الإطلاق عن الجينات والمناطق الموجودة على الجينوم البشري المتعلقة بالاختلافات الطبيعية في طول القامة، على الرغم من أن جميعنا يدرك أن طول القامة مسألة متعلقة بالوراثة بصورة مطلقة".
وتضمنت دراسة سابقة أجراها الفريق البحثي عام 2010، عددا أقل من الناس وحدد 199 اختلافا وراثيا تقع على 180 منطقة على الجينوم. حسب سكاي نيوز
الوراثة ليست العامل الوحيد.. كيف تؤثر التغذية والأمراض والبلوغ على طول القامة؟
وفي السياق ذاته، هل تساءلتم مسبقاً إن كانت هناك عوامل أخرى تؤثر على طول الأشخاص بخلاف العوامل الوراثية؟ في الحقيقة قد يتأثر الطول بعدة عوامل سنستعرضها عليكم في هذا التقرير:
ما الذي يحدد أطوال الأشخاص؟
بالتأكيد يرتبط الأمر بشكل أساسي بالجينات، فالآباء طوال القامة من المتوقع أن ينجبوا أبناء شبيهين بهم، وذلك في حال افترضنا أن الظروف كانت مثالية ولم يواجه الأبناء أي معوقات في فترة طفولتهم، فعلى سبيل المثال، أظهرت الدراسات أن سوء التغذية والأمراض الشديدة أثناء الطفولة يمكن أن تمنع الأبناء من الوصول إلى الطول المفترض بشكل وراثي.
بل إن هذه المصاعب يمكن أن تؤثر حتى على متوسط التغيرات في الطول عبر بلدان بأكملها، وفقاً لما ورد في موقع Live Science الأمريكي.
ففي دراسة أجراها باحثون من إمبريال كوليدج لندن عام 2016، ونشرت في مجلة eLife، أظهرت التحليلات أن أطول الرجال في العالم يأتون من هولندا، وأطول النساء في العالم يأتين من لاتفيا (جمهورية واقعة في منطقة بحر البلطيق في أوروبا الشمالية).
لكن هذه التصنيفات لم تكن دائماً على هذا النحو، وفقاً للتعاون الدولي لعوامل خطر الأمراض غير السارية (NCD-RisC).
كانت كوريا الجنوبية تحتل المرتبة 133 في تصنيفات عام 1985، ولكن بحلول عام 2019، قفزت إلى المرتبة 60. والنظرية الرائدة بين العلماء هي أن هذا التعزيز في الطول قد يكون بسبب النظم الغذائية المحسنة الناتجة عن تقدم كوريا الجنوبية في العقود الأخيرة.
كيف أسهمت التغذية في رفع مستويات الطول؟
قال ستيفن هسو، أستاذ الرياضيات الحسابية والعلوم والهندسة في جامعة ولاية ميتشيغان، والذي بحث في إمكانية التنبؤ بأطوال الأشخاص: "من المفهوم على نطاق واسع أن زيادة الطول على مدى الجيل الأخير امتداداً إلى الجيلين الماضيين في كوريا الجنوبية وجمهورية الصين الشعبية يرجع إلى حد كبير إلى تحسين التغذية. فقد ارتفعت مستويات البروتين والكالسيوم ومجموع السعرات الحرارية كثيراً خلال تلك الفترة".
وفي الوقت نفسه، تراجعت دول أخرى في قائمة NCD-RisC. ففي عام 1985، على سبيل المثال، كانت الولايات المتحدة في المرتبة 38 على مستوى العالم، ولكن في عام 2019، تراجعت إلى المرتبة 58. هل هذا لأن البلاد شهدت هجرة من دول أخرى، حيث يكون طول السكان أقل في المتوسط؟ وفي هذه الحالة هل كل شيء متعلق بعلم الوراثة؟ قال هسو إن الوراثة على الأرجح هي عامل رئيسي، لكن ليس العامل الوحيد.
يوضح هسو: "بصرف النظر عن الهجرة يفترض بعض الناس أن جودة التغذية للجميع قد انخفضت مع زيادة استهلاك الوجبات السريعة والمشروبات الغازية وما إلى ذلك". قد يكون الأمر كذلك أن دولاً أخرى تفوقت على الولايات المتحدة، بعبارة أخرى لم يصبح الأمريكيون أقصر بالضرورة؛ إنهم فقط توقفوا عن النمو بالسرعة التي ينمو بها سكان الدول الأخرى.
عوامل أخرى تؤثر على الطول
كما ذكرنا مسبقاً فإن الجينات هي العامل الأساسي في تحديد الطول، إلا أنها ليست العامل الوحيد وفقاً لما ورد في موقع Healthline، وإلى جانب سوء التغذية هناك عوامل أخرى من الممكن أن تؤثر على الطول، وتأخر النمو بما في ذلك:
الحالات الطبية التي تؤثر على الغدة الدرقية
هرمونات النمو
مستويات الأنسولين
الهرمونات الجنسية
متلازمة داون والاضطرابات الوراثية الأخرى
أمراض تحدث في مرحلة الطفولة مثل مرض سيلياك وأمراض العظام مثل الكساح وهشاشة العظام عند الأطفال وفقر الدم.
كذلك تكون معدلات النمو منخفضة عادة لدى الأطفال الذين يعانون من زيادة الوزن والسمنة.
العامل الأهم في تحديد الطول
رغم أن النظام الغذائي غير الصحي والأمراض الخطيرة في الطفولة يمكن أن تؤدي إلى قصر القامة، تشير الأبحاث إلى أن العامل الجيني أكثر تأثيراً.
في دراسة عام 2018 نُشرت في مجلة Genetics، استعرض هسو أهمية الجينات في تحديد الطول. وقد استخدم التعلم الآلي وخوارزميات الكمبيوتر لتحليل ما يقرب من نصف مليون جينوم للأشخاص الذين يعيشون في المملكة المتحدة. وبعد تحليل الأرقام، تمكن الفريق من التنبؤ بدقة بطول الشخص وكثافة عظامه من جيناته فقط.
علاوة على ذلك، رُبطت الطفرات الجينية والاختلالات الهرمونية أيضاً بقصر القامة، بما في ذلك التقزم، وهي حالة يتوقف فيها نمو الشخص عند ارتفاع 147 سم أو أقل.
على الطرف الآخر، يمكن للناس أن يصبحوا عمالقة، خذ على سبيل المثال روبرت وادلو، أطول شخص في التاريخ المسجل، والذي بلغ 272 سم. ويمكن أن يكون النمو المفرط مثل هذا، والذي يسمى أحياناً بالعملقة، علامة على الإصابة بالسرطان. فالأطفال المصابون بأورام في الغدة النخامية، على سبيل المثال، يمكن أن ينتهي بهم الأمر بإفراز هرمونات النمو بشكل مفرط.
باستثناء الحالات الطبية، بالنسبة للأشخاص الذين يتغذون جيداً، "يبدو أن الجينات هي من تحدد إلى حد كبير طول البالغين"، كما قال هسو.
متى يتوقف الأطفال عن النمو؟
كما تختلف متوسطات أطوال البنات عن متوسطات أطوال الأولاد، فإن معدلات نموهم مختلفة أيضاً، إذ يميل الأولاد إلى النمو بمعدل أسرع أثناء الطفولة.
ووفقاً لما ورد في موقع Healthline، يتوقف النمو لدى معظم الأولاد عندما يبلغون الـ16 من العمر. وقد يستمر بعض الأولاد في النمو شبراً آخر أو نحو ذلك في سنوات المراهقة المتأخرة.
أما البنات، فغالباً ما يتوقف نموهن في سن الـ14 أو 15 عاماً، أو بعد عامين من بدء الدورة الشهرية.
كيف يؤثر البلوغ على النمو؟
عند الفتيات: عادة ما يكون لدى الفتيات طفرة في النمو في غضون عام إلى عامين قبل بدء الحيض.
بالنسبة لمعظم الفتيات، يحدث البلوغ بين سن 8 و13 عاماً، وتحدث طفرة في النمو بين 10 و14 عاماً، إذ تنمو الفتاة في هذه الفترة فقط من بوصة إلى بوصتين إضافيتين في عام أو عامين بعد الدورة الشهرية الأولى.
عند الأولاد: يمر الأولاد بطفرة نمو خلال فترة البلوغ، ومع ذلك يمكن أن تختلف معدلات النمو كثيراً، لأن الأولاد يمرون بمرحلة البلوغ في أعمار مختلفة. في المتوسط ينمو الأولاد حوالي 3 بوصات (أو 7.6 سم) سنوياً خلال هذه الفترة.
لا يؤثر عمر الصبي عندما يمر في سن البلوغ على طوله في النهاية، ولكنه سيؤثر على وقت بدء نموه وتوقفه.
وعموماً، ينقسم الأولاد إلى فئتين:
الذين ينضجون مبكراً، بدءاً من سن البلوغ في سن 11 أو 12 عاماً تقريباً.
الذين يتأخر سن البلوغ لديهم فيبدأ في عمر 13 أو 14 عاماً.
عادةً ما تكتسب كلتا الفئتين نفس متوسط الطول، وخلال فترة البلوغ يبلغ أقصى ارتفاع يصل إليه الأولاد إلى 92% من طولهم النهائي. حسب عربي بوست
اضافةتعليق
التعليقات