كانت أم زينب غارقة في تحضير الطعام عندما جاءت زينب لتسألها سؤالاً غريباً اليوم أيضاً، صرخت الأم قائلة "اخرجي زينب، أنت تصبحين مزعجة جدا بأسئلتك تلك"، خرجت زينب تبكي لأن الأم لم تعرها اهتماماً، إلا إن الأم توقفت لحظة، لقد بدا المشهد مألوفاً فكرت أين رأت ذلك المشهد من قبل؟ فتذكرت إنه حصل لها هي ذات يوم بينما كانت أمها تخيط الملابس… كانت هي الأخرى تطرح الأسئلة بنهم، ثم أدركت إن زينب ليست مزعجة بل مراهقة.
تعد فترة المراهقة فترة انتقالية بين الطفولة والنضج، يتغير فيها المراهق على الصعيد النفسي فيبدأ بتشكيل هوية منفصلة عن ذويه يحاول تعزيزها وإكسائها بصفات خاصة متميزة عن الأبوين، ويتغير على الصعيد الجسدي مما يسبب له إرباكاً في تقبل شكله الجديد ويبذل جهداً في جعل الآخرين يتقبلونه، إنه يبدأ بتحديد أهدافه الكبرى في الحياة، واختيار قيمه التي يحيا من خلالها، ومحاولة فهم الدين مفهوماً معمقاً، كما إنه يراقب العادات الاجتماعية والتقاليد ويفسرها، ويسعى لفهم خصائص عائلته والظروف التي يعيشون بها عن طريق مقارنتها مع الآخرين.
إن كل هذه التغيرات تجعل المراهق متسماً بالحساسية الشديدة تجاه المحيط ونفسه، ملاحظاً كل التغيرات التي تطرأ عليه بعدسات مكبرة فاحصاً لها من كل جوانبها، مما يجعله هلعاً، حائراً، متعطشاً للحديث بصوت مسموع مع آخرين حول كل الأفكار التي تدور في رأسه للتخلص من حيرته، طارحاً أسئلة شديدة التنوع في مجالاتها، ومستوياتها فهي قد تكون غبية جداً وغرضها التحقق مما يعرفه أصلاً، وقد تكون في غاية الذكاء قاصداً أن يحصل لها على إجابات.
وفي هذه الفترة يحدث الصدام الأكبر بين الفرد وذويه إذ إن قليل من الآباء يغيرون طريقة التعامل مع الطفل من وصاية إلى صداقة مع تقدم عمر الابن، كما إنهم لا يخصصون وقتاً للحديث مع أبنائهم حول المواضيع التي تهم الأبناء ويسبغون النصائح باستمرار، مما يجعل الابن نافراً من الحديث مع أبويه على الرغم من رغبته الشديدة في طرح الأسئلة.
لا يحب معظم الآباء الأسئلة فهي تحتاج إلى تركيز واستماع بذهن صافٍ وهو ما لا يتوفر لأغلب البالغين، كما إنها أسئلة قد تمس بعض الثوابت مما يجعلها محرمة عند بعض الآباء، وقد تكون أيضاً صعبة عالية التحدي تحتاج بحثاً قبل الإجابة، ولا يحب الآباء أن يعرف أبناؤهم أنهم لا يعلمون كل شيء.
يحتاج الأفراد في هذه المرحلة العمرية أن يطرحوا الأسئلة للتفريغ عما في داخلهم، ويحتاجون معرفة الإجابات أيضاً، فهم إن لم يعثروا على الإجابات عند ذويهم أو من يحيط بهم من الناضجين سيلتجئون لأصدقائهم، أو التلفاز، أو محتوى الشابكة، أو أصدقاء مواقع التواصل الاجتماعي المتخفين تحت أسماء وهمية والذين على الأرجح هم في مثل سنهم، وهذا ما يشكل خطراً على هوية الفرد مستقبلاً، فهويته ستكون مشوهة وقيمه قد لا تكون صحيحة، لذا على الآباء القيام بالتالي:
- أن يكونوا أشخاصاً آمنين: من خلال الاستماع دون حكم أو نقد لكي يأتي لهم الابن في كل مرة.
- بناء جسور الصداقة: المراهقون مسلون ولديهم أفكار رائعة وخلاقة، ستسعد إن اقتربت منهم.
- تخصيص وقت للحديث: فلم يختر الأبناء أن يأتوا إلى هذا العالم، لقد اختار الآباء ذلك لذا هم جزء من مسؤولية ذويهم حتى يستطيعوا أن يقفوا بمفردهم.
- الاعتراف بعدم كمال المعرفة: البشر لا يعرفون كل شيء، ويخطئون، ويتعلمون من خلال البحث، لا بأس أن تظهر جانبك البشري ليتعلم الابن أن يظهر أخطاءه أيضاً، كما إنه سيتعلم التواضع، والبحث الدائم عن المعرفة.
- إنهم صغار: على رغم من أن أجسادهم كبيرة، إلا إن ما بداخلهم غض ويرتجف كهلام من الخوف، عاملهم بعطف بالغ.
- علمهم آداب الحوار: من الضروري أن تظهر مستوى عالٍ من أدب الحوار، فالمراهق يتعلم من خلال القدوة، ولا بأس بالإشارة إلى سلوكيات الحوار الأفضل أثناء النقاش.
- المراهق ليس غاضباً منك ولا يتحداك: المراهق لا يعلم كيف يتصرف وبمَ يشعر وما هي الأفكار الصحيحة، إنه ليس غاضباً، طمأنه ما استطعت.
- إنه بحاجة إلى إرشاد غالباً: لا يحتاج إلى إجابات جاهزة بل إلى طريقة في التفكير ليستطيع الإجابة عن الأسئلة المشابهة القادمة، وغالباً هو يعرف الإجابة لكنه بحاجتك لترتب الأفكار معه.
- لن يأخذ برأيك: تقبل حقيقة إنه قد لا يتفق مع كلامك ظاهرياً أو فعلياً فهو فرد آخر مستقل وليس امتداداً لك، وسيأخذ به حين يحتاجه.
- كن حازماً عندما يتطلب الأمر: يتمادى المراهق متفحصاً حدود الآخرين عبر طرح أسئلة لإثارة الجلبة، عليك أن تعلم إن كان هذا تمادياً أو هناك رغبة حقيقية في الحصول على إجابة.
وختاماً حاول فهم شخصية ابنك المتفردة، فهو جوهرة ثمينة ومسؤوليتك أن تحافظ عليه وتوفر له الرعاية المناسبة.
اضافةتعليق
التعليقات