هناك خلف القضبان الحديدية في داخل تلك الطامورة التي تكاد تكون أشبه بالقبر .. حُبِس ذلك النور الوضَّاء الذي لم ولن ينطفئ على مر العصور ، في ذلك الظلام الدامس كان لملك الموت دمعاتٌ وأنَّات إذ أنه وُكِّل بقبض روح حفيد الزهراء (عليها السلام).
موسى.. حكايةٌ صامتةٌ ترجمتها دموع الفقد على جسر الرصافة ضحىً بعد أن أقبل نعش النور مربوطاً بقيود من حديد؛ قيود الحقد الدفين على أبناء عليٍّ وفاطمة (عليهما السلام)، ذلك النعش الذي حملته الملائكة على أجنحتها قبل أن يحمله الحمَّالون على أكتافهم، وقف الطبيب لبرهةٍ ينظر في عيونٍ كانت للحقيقة مرآة؛ ومتفحصاً تلك اليدين الصفراوتين من سم اللارشيد؛ ثم همس قائلاً: أين أبناء وعشيرة هذا الغريب؟! فليأخذوا بثأره إنه قُتِلَ مسموما..
أوَما تعلم أنه كجدِّه الحسين (عليه السلام) بقي بلا عشيرة ولا أبناء ولا من مطالب بالثأر حتى ظهور المهدي من آل محمد.
هنا أدرك العالم أفول شمس الحق.. شمس "وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ"* هنا هبَّت الرياح تحمل ابتسامات صفراء لمن تلذذ بحبس معصومٍ لأربعة عشر عاماً (على رواية) عاش فيها العالم كطفلٍ فقد أمه، إنتظارٌ ثم صبرٌ ثم شوقٌ ثم فراقُ ذلك القبس.
هناك على ذلك الجسر المشؤوم أصبح المحبون أمام الأمر الواقع؛ فلا رسالةٌ تنفع ولا موعد لقاء.. المواسي الوحيد لهذا الجرح النازف هو الصراخ والدموع وضرب الصدور وشق الجيوب؛ فقد استشهد أمامهم بالسم مغدوراً مظلوماً في طامورةٍ لا تعرف لأشعة الشمس من سبيل.
في الخامس والعشرين من شهر رجب عام ١٨٣ هـ أفلت شمس أبو الرضا، شمس الحق والعدل، شمس حليف السجدة الطويلة، الشمس التي لن تُشرِق إلَّا بعد ظهور المنتقم؛ الذي ينتقم لما جرى على عترة الهادي _صلى الله عليه وآله_ .
ولكن... رغم الأفول ورغم مرور آلاف السنين إلَّا أننا مازلنا ننتفع بذلك الأثر المتبقي من أشعة تلك الشمس.
اضافةتعليق
التعليقات