مرحلة الشباب هي مرحلة سريعة الفوت كسحابة الصيف، كما وانها من اغلى فرص الحياة وتغيب على عجل، يكون فيها الاحداث وهم الشباب في مقتبل العمر ليس يشغلهم شيء لعدم تشكل شخصياتهم وفق قناعات مسبقة وانما هم حديثو عهد بالتجارب والأفكار، مما يعني ذلك وجود ارضية صالحة مهيأة لتلقي الافكار والقيم التي يتربون عليها لذا يوصي مولانا الامام الصادق (ع) بقوله: "عليكم بالاحداث فإنهم أسرع الى كل خير".
ومع تلك الأهمية التي وجه اليها الاسلام أبناءه للأهتمام بفئة الشباب، نلاحظ الاهمال في تحمل المسؤولية تجاه هذا الجيل من ابناء المجتمع وما ذلك الاهمال الا لجهل البعض بقيمتهم واهميتهم،
لذا ان كثيراً من الناس يضيعون شبابهم ويصرفون اوقاتهم في توافه وامور ليست ذات اهمية!.
ان واقع الشباب اليوم يؤلم ويستدر العطف ويستدعي العون والمساعدة كالمعوق او الجريح المغلوب على امره ولايقدر على شي.
فلا نبالغ ان قلنا ان اكثر الشباب يعيش غربة في وسطه الإجتماعي والاسري فالأب ليس لديه دراية في هموم ومشاكل ابناءه وبناته، وكذلك الام فهما لايكلفان انفسهما الوقوف عليها او فتح باب المصارحة او المكاشفة او مد يد العون والمساعدة للنهوض بهم.
مما يضطر الأبناء والبنات اللجوء للخارج وبث همومهم ومشاكلهم للآخرين كنوع من التنفيس ولعلهم يجدون في الخارج ما لايجدونه في الداخل من صدر مفتوح وآذان صاغية تشاركهم تلك الهموم ولربما يجدون لديهم حلولاً يستريحون إليها.
علاوة على ان المناهج العالمية في هذا القرن والقرن البائد اوجدت فاصلاً حديدياً بين طبقة الآباء وطبقة الأبناء، وذلك بسبب الجو الذي خلقته المناهج الحديثة للأبناء في المدارس ووسائل الاعلام بجيوشها الجرارة ومختلف المنظمات والتجمعات غير الصحيحة التي اتهمت الآباء بالخرافة والرجعية وعدم الفهم مما سبب عزوف الأبناء عن الآباء فكان هذا اول الوهن ومبتدأ المحن!.
اما الاجواء المحيطة بالشباب فإنها تمتلىء بأساليب الإغراء والإغواء فهناك فضاء مفتوح يهيمن عليه إعلام الشهوات والرغبات وثقافة مادية كالسيل الجارف تريد إذابة كل الشعوب في بوتقة الحضارة الغربية تحت شعار العولمة وهناك شبكات الإرهاب الممنهج تنصب الفخاخ لإقتناصهم،
اما ظروف الحياة فهي تزداد قساوة وصعوبة في مجالات التعليم والعمل وسائر مستلزمات المعيشة التي تجعل الشباب في قلق واضطراب على مستقبل بناء حياته!.
ان يقول الرسول العظيم (ص): "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" فهذا القول دعوة لنا لنبحث عن السبل التي ننهض بها بشبابنا ونطبقها والتي من محاورها:
*الايمان
فهو حصن منيع، ان الحائل الوحيد دون الانزلاق هو الإيمان بالله والخوف من الحساب في اليوم الآخر وإلا فالقانون والبوليس والاستخبارات وما اشبه ذلك لاتحول دون وقوع هذه النكبات.
*درع العقيدة
هي من اهم الوسائل المرتبطة بالشباب حيث انها الدرع الواقي الذي يحمي الانسان في مختلف المراحل الحياتية، فالعقيدة الصحيحة بشكل كامل هي الضمان لعدم الإنجراف في مختلف المفاسد،
اما العقيدة المنحرفة بنسبة فتجر الى الانجراف بنسبتها وبقدر صحتها يكون لها الاثر الايجابي وبقدر إنحرافها يكون تأثيرها السلبي.
*مناقبيات السمو وقيم التقدم
علينا زرع القيم السامية التي تدعو اليها وتؤصلها بعض الايات القرانية كالحرية والامة الواحدة والاخوة في نفوس الشباب كما يجب زرع اخلاقية اللاعنف وحب التعاون فيها وكذلك فكرة الوحدة بين الدول الاسلامية.
*روح التغيير والتقدم
ان نعلمهم ان الانطلاق يبدأ من داخل نفس الانسان والامة يقول تعالى: "ان الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
انهم غافلون عما منحهم الله تعالى من نعم واهمها نعمة العقل والتفكير وحتى جوارحهم وحواسهم لايستفيدون منها الاستفادة المطلوبة.
ان روح التجديد والتطور تعني امتلاك صفات وسمات تملأ حياة الانسان بالحيوية والنشاط وتدفعه للإبداع والإنجاز وتجعله يتخطى العقبات والحواجز.
*طموح التغيير
ان التطلع الى الافضل والطموح إلى الاحسن هو الشرارة الاولى التي تنقدح بها حركة التجديد والتغير، بينما الخمول والرضا بالواقع والاستسلام له او الغرور والاعجاب بما تحقق يجعل الانسان يراوح في مكانه ولايحافظ عليه بالتالي بل يتراجع عنه.
*الثقة بالنفس
ان غير المعصومين مهما كانت كفاءته وقدرته فهو بشر محدود بزمانه وظرفه واجتهاده لايمنع من بعده من الاجتهاد ورأيه يحتمل فيه الخطأ والصواب، وان اسلاف الامة من الصالحين والمصلحين ينبغي تقديرهم والاستفادة من آرائهم وتجاربهم ولكن ينبغي الوقوف عند حدود فهمهم فقد حبانا الله عقولاً كما حباهم وخاطبنا بوحيه كما خاطبهم ولعل بعض ارآئهم واساليب تعاملهم كانت من وحي ظروفهم، لذا فإن تطور الحياة وتراكم التجارب قد تفتح لنا آفاقاً او تكشف لنا اموراً لم تكن متاحة لهم.
*انطلاق العقل
هناك علاقة وثيقة بين حركة التطوير وحرية التفكير، ان حرية الفكر حق اساسي من اهم حقوق الانسان، وقد اهتم الاسلام بحماية هذه الحرية وضمانها وترشيد ادائها حتى لاتقع تحت تأثير الاهواء والشهوات فآيات كثيرة في القران تدعو الانسان بإلحاح لاستخدام عقله وتفعيل تفكيره في مختلف الجوانب والمجالات "افلا تعقلون" "لعلكم تتفكرون".
*قوة الارادة وشجاعة التغير
قد يكتشف الانسان خطأ فكر من افكاره او نقطة ضعف في بعض سلوكياته وممارساته وقد يتعرف على منهج افضل واسلوب احسن لشأن من شؤون حياته لكن تخونه الشجاعة والجرأة وتأسره العادة التي ألفها او تأخذه العزة بالاثم على حد تعبير القرآن وهنا يفوت على نفسه فرصة التطوير والتجديد واختيار الاصح الافضل.
صحيح ان للعادات ضغطها ونفوذها، لكن قوة الارادة تستطيع ان تواجه سلطان العادة فيقول مولانا امير المؤمنين: "غالبوا انفسكم على ترك العادات وجاهدوا اهواءكم تملوكها".
ان التطلع والطموح والثقة بالنفس وانطلاق العقل والشجاعة والجرأة هذه السمات الاربعة هي تجليات روح التطوير والتقدم التي اذا سرت في حياة المجتمع قادته الى التغير والتطوير واذا فقدت لن تنفع الشعارات والتمنيات ولاتجدي الطروحات والنظريات.
بما سبق وغيره نتطلع لقيادة شبابنا نحو الطريق الصحيح وانتشاله والحفاظ عليه من السقوط في مصائد الشر ومن ارادوا بهم سوءاً، فشبابنا امانة بين ايدينا علينا ان نصونها ونحافظ عليها بكل ما اوتينا من قوة.
اضافةتعليق
التعليقات