إبراهيم عليه السلام يضع آخر حجرة في الكعبة ويرفع يده إلى السماء: (اللهم اجعل هذا البلد أمناً) مُنذ ذلك الحين وحتى الحيوانات تحيى بأمان قرب البيت العتيق، حُرم الصيد والقتل، الجدال والفسوق، إنها الإجابة الالهية إلى الكليم عليه السلام.
الأمان لكل من دخلها، إلا ذلك السيد الغريب الذي توعدته شياطين الانس بالقتل ولو كان معلقا بأستار الكعبة! لو كان يعلم جده ابراهيم لخصه بالدعاء وقال: (اللهم اجعل هذا البلد آمناً على الحسين وعياله).
أحرم الحجاج إلا شخص واحد بين الأفواج ينزع الاحرام ويوقد السراج، سراج العز والإباء، سراج التضحية والفداء، يُغير المسير ويتجه إلى العراق ليصلح الأمر ويعيد المسلمين إلى دين جده رسول الله صلى الله عليه وآله.
يصيل إلى الأرض التي تلثم نِعاله لتنال الفخر، يسأل عن اسمها فيُجاب (كربلاء) فيُعلن أنها قطعة من السماء وجدت هُنا ليُحلق من خلالها الأحرار إلى درجات الكمال والفوز بالخلود.
سقى تلك الأرض بدماءه، ضحى برضيعه، سعى بين ميدان الحرب وخيامه، رمى شياطين الأنس بنوره السماوي، أعاد الدين إلى أصله، لم يحج ذلك العام ولكنه قدم نفسه قُرباناً لرب البيت ليستمر الحج في كل عام.
جاء التعويض الإلهي، بأن ينظر الله إلى زوار قبره ليلة عرفة ليشملهم برحمته قبل أن ينظر إلى الواقفين بعرفة، وحيث قال حفيد الصادق عليه السلام: إنَّ الله تبارك وتعالى يبدأ بالنّظر إلى زُوَّار قبر الحسين عليه السلام عَشيَّة عَرَفة، سأله أحد أصحابه: قبل نظرة لأهل الموقِف؟ قال: نَعَم، كيف ذلك؟ قال: لأنَّ في أولئك أولاد زنا؛ وليس في هؤلاء أولاد زنا.
بعدها يتجلى لهم ليقضي حوائجهم قبل أهل عرفات، روي عن الامام الصادق عليه السلام: إنَّ الله تبارك وتعالى يتجلّى لزوَّار قبر الحسين عليه السلام قبل أهل عَرَفات، ويقضي حوائجهم، ويغفر ذنوبهم، ويشفّعهم في مسائلهم، ثمَّ يثني أهل عَرَفة فيفعل ذلك بهم.
وضمن لهم غفران الذنوب، حيث روي عن الصادق عليه السلام: إذا كان يوم عرفة نظر الله إلى زوَّار قبر الحسين عليه السلام فيقول: ارجعوا مغفوراً لكم ما مضى، ولا يكتب على أحد منهم ذَنبٌ سَبعين يوماً مِن يوم ينصرف.
مُنذ ذلك الحين وألوف الأحرار يقصدون الحسين من كل فج عميق، يقصدون القربى لذوي القربى الذين حبهم ومودتهم أجر رسالة السماء، احرامهم السواد حزناً على ما جرى عليه، تتعالى أصواتهم بالتلبية، لبيك اللهم لبيك لبيك زوار الحسين لبيك، لبيك اللهم لبيك لبيك عبيدك التائبين لبيك، تُلبي قلوبهم بحروف اسمه، حاء سين ياء نون.
تنفجر العيون بالبكاء، فالقلوب أبصرت غريب وسط الصحراء، ترك الحج واتجه إلى كربلاء، عطشان بلا ناصر مرمل بالدماء، ثلاث بالشمس على الرمضاء، لبيك اللهم تلبية المفجوعين بابن الزهراء لبيك، لاشيء يُربت على قلوبهم سوى الأمل الذي يملأ كيانهم حين تُرفع الأيادي بدعاء (اللهم عجل لوليك الفرج) فهو المُنتقم الأخذ بثأر الشهيد.
بين الجنتين تسعى الأرواح لتنال نظرة الرضا التي بها ترتقي مدارج الكمال، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون تحت اشعة الشمس بين الحرمين تُناجي القلوب رب العالمين بدعاء حبيبه الحُسين لغفران الذنوب والفوز بالجنة مع الطاهرين، وكُل الرجاء أن لا يُحرموا خدمة الحُسين وزيارته في الدنيا وشفاعته في الآخرة.
اضافةتعليق
التعليقات