أهم ما يميز الأطفال الانطوائيين، أنهم يتخذون قراراتهم بناء على معاييرهم وقيمهم الخاصة دون أن يتبعوا الحشود.
الانطوائية، مجرد سمة خاصة من سمات الشخصية، هي ليست مرضا أو اضطرابا نفسيا بالتأكيد فلا يوجد شيء خاطئ كون المرء انطوائيا، لكن ستكون له أوقاته العصيبة أيضا التي سيقضيها بصحبة الأهل والأصدقاء وبقية الأشخاص ضمن محيطه الاجتماعي الضيق.
هذا الأمر، من شأنه أن يستنزف مشاعره وطاقته.. حيث تبدو صحبة الناس بالنسبة إليه مضيعة للوقت وتعطيلا لخططه (الداخلية)، بكل ما من شأنه أن يؤطر به عالمه الخاص من أفكار وأحلام وحتى معارك وهمية يخطط لها بنفسه، يخوضها ضد نفسه وهو مرتاح البال وكأنه يقضي نزهة على شاطئ البحر.
العالم الخارجي، بكل زحامه وضجيجه، يمثل كابوسا حقيقيا لصاحب الشخصية الانطوائية. فإذا علمنا بأن نسبة كبيرة من الناس يحملون هذه الصفة، تقدرها بعض الدراسات في الغرب بأنها ربما تصل إلى 30 بالمئة من حجم السكان، فسندرك بالتأكيد أننا ربما نكون ضمن هذه المجموعة من دون أن نعي ذلك. نورث هذه الصفات لأبنائنا، أم يولدون وهم يحملونها سلفا.. هذا أمر مازال قيد البحث؛ فالانطواء والانبساط هما سمتان فطريتان على الأغلب وتبقى الانطوائية بصورة خاصة ملازمة للفرد طوال مراحل حياته، فلا يستطيع الفكاك منها أو لا يريد ذلك باختياره.
ولا يحبذ متخصصون في علم النفس إهمال الطفل الانطوائي على الرغم من أنها سمة لن تعيقه عن إيجاد طريقه في الحياة واكتساب مهارات جديدة وتطوير ذاته وشخصيته.
ووفقا لعلماء النفس، فإن الطفل يبدأ في إظهار علامات الانطواء في عمر أربعة أشهر تقريبا وإذا كانت علامات الانطواء في الأشخاص البالغين تختلف من شخص لآخر، فإن هناك بعض المشتركات بين الأطفال الانطوائيين إلى حد ما.
وترى الأميركية جين جرانيمان، مؤلفة كتاب (العالم السري للانطوائيين)، أن هناك على الأغلب علامات محددة تؤكد أن طفلا بذاته يحمل سمات الشخصية الانطوائية وأبرزها على الإطلاق؛ أن هؤلاء الصغار يعيشون أغلب الوقت في عالمهم الداخلي، وهو عالم حيّ مليء بالأفكار والمشاعر المعقدة.. عالم متخيل، تنتفي معه الحاجة للآخرين أو الأصدقاء إلا في حدود ضيقة؛ فالطفل الانطوائي يفضل اللعب بمفرده وربما يغلق على نفسه باب غرفته لساعات، فينهمك في ألعابه الخاصة، يكتب، يرسم، يستخدم ألعاب الكمبيوتر وغيرها من النشاطات التي لا تتطلب بالضرورة مشاركة الآخرين.
لسوء الحظ، يمكن أن يكون وجود مثل هذا العالم الداخلي الثري بالنسبة للطفل سيفا ذا حدين؛ لأنه إذا لم يكن يمنحه تذكرة لعالم الإبداع أو التفوق العلمي مثلا فإنه قد يحكم عليه بالعزلة الدائمة، ومن هنا يأتي دور الأهل في مساعدة الطفل لاستغلال هذه السمة الشخصية وتطويعها لتكون مصدر قوة لا مصدر ضعف.
ويتعامل الطفل الانطوائي مع الجوانب الأعمق في الحياة، فهو لا يخشى طرح الأسئلة الكبيرة عن الوجود وعن وجوده الشخصي أيضاً، يهوى التأمل في الأشياء ويبحث دائما عن مصادر السلوك ولعبته المفضلة هي أن يسأل كل من حوله وخاصة الأهل “ماذا لو؟” وهناك دائما علامات استفهام كبيرة في رأسه، وهو قد يطرح أسئلته واستفساراته في سن مبكرة جدا الأمر الذي يثير فضول الآخرين.
أما في أوقات اللعب، فهو يفضل المشاهدة والمراقبة الطويلة أولا، ثم يبدأ تدريجيا بالانضمام إلى حلقة اللعب كأن يكون فريق من الأصدقاء أو زملاء المدرسة، وهذه سمة أخرى تؤكد حذره الشديد من الدخول في مواقف جديدة غير محسوبة النتائج.
وأهم ما يميز الأطفال الانطوائيين عن غيرهم، أنهم يتخذون قراراتهم بناء على معاييرهم وقيمهم الخاصة دون أن يتبعوا الحشود أو يأخذوا برأي الأغلبية، وهذه الميزة إيجابية ولصالحهم تماما لأن هذا يعني أنهم لن يقعوا بسهولة تحت طائلة الضغط من أي نوع ولا يمكنهم بالتالي أن يكونوا ضحايا إرادة الآخرين وتسلطهم عليهم، هؤلاء الصغار يفعلون ما يحبونه وما يناسبهم فقط.
كما أنهم مستمعون جيدون للآخر، يفكرون قليلا قبل أن يجيبوا على أسئلة الناس، يتحدثون بهدوء واتزان ولا يتعجلون في عقد علاقات جديدة حتى يطمئنوا للشخص المقابل فلا يعبرون عن أفكارهم وتصوراتهم بسهولة فهم يستمعون كثيرا ولا يتحدثون إلا عند اللزوم.
وتؤكد جين جرانيمان أن قيم المجتمعات تغيرت كثيرا، فأصبحت سمات الشخصية الانبساطية هي المفضلة داخل المجموعات البشرية، العلاقات والإنجازات المشتركة والقبول الاجتماعي صارت هي المعايير المعتمدة أكثر من التفكير الهادئ والعزلة واتخاذ القرارات الشخصية بمعزل عن تأثير الحشود.
هذا التغيير أسهم بشكل سلبي في تعقيد مشكلة الأشخاص الانطوائيين ومحاولة دمجهم قسريا بالعالم الخارجي، في الوقت الذي مازالوا يتمسكون فيه بحقهم في خياراتهم الذاتية. في المدرسة، مثلا، يقضي الصغار ما بين 6 إلى 7 ساعات يوميا مع قرابة 30 طفلا آخرين، حيث تطلب منهم طوال الوقت المشاركة في العمل الدراسي ضمن مجموعات وهذا قد يشكل تحديا كبيرا بالنسبة للطفل الانطوائي.
هناك من يستطيع التكيف بشكل تدريجي وهناك من يعاني قبل أن يقسر على تفتيت القوانين الخاصة بعالمه الداخلي، وفي كلا الحالتين، يتوجب على الآباء تقديم الدعم النفسي ومساعدة الطفل على تخطي هذه الحواجز المجتمعية واستثمار سمات شخصيته الفريدة بما فيه مصلحته وتفوقه.
الفرق بين التوحد والانطواء
هل تقلق على طفلك أنه ربما يكون مصابا بالتوحد لمجرد تفضيله البقاء بمفرده؟ لا داعي لذلك، فالكثيرون يخلطون بين انطوائية الطفل وبين التوحد، وهناك فعلا علاقة بينهما، فالطفل المصاب بالتوحد لديه مشكلة في التواصل مع الآخرين ولديه مشكلة في التعبير عن مشاعره وهذا الأمر يسبب ل الإحباط والإرهاق النفسي فيفضل الانعزال ويمكن أن يفسر ذلك على أنه انطوائية ولكن هناك علامات التوحد الأخرى التي يجب أخذها في الاعتبار.
أما الطفل الانطوائي ليس بالضرورة أن يتحول لطفل مصاب بالتوحد، فهو يستطيع التواصل بشكل جيد جدا مع الأشخاص الذين يفضلهم ولكنه لا يفضل برغبته الشخصية أن يتواجد في مجموعات كبيرة.
كيفية التعامل مع الطفل الانطوائي
أولا يجب أن تعرف أنه لا يوجد ما يدعو للحرج في شخصية طفلك، وأنه طفل طبيعي تماما يمكنه النجاح في حياته مثله مثل الأطفال الاجتماعيين، وإليك عدة نصائح لتتعامل معه بالشكل الأمثل: لا تدفع طفلك لتكوين صداقات وعلاقات لا يريدها، بل تمهل في تقديمه للآخرين واعطه الوقت والمساحة للتعرف عليهم ببطء.
ذكر طفلك أنه يمكنه أخذ استراحة من مواجهة الآخرين والتعامل معهم، إذا شعر بالإرهاق والتعب من التواجد في مجموعات. امدح طفلك إذا أخذ المبادرة في التحدث أو اللعب مع أطفال آخرين غير أصدقائه المقربين.
شجع طفلك على تجربة أشياء جديدة وأنشطة مختلفة ونبهه لذلك إذا وجدته يستمتع بالأمر فعلا. قد يكون لطفلك اهتمامات مختلفة وغير عادية، ادعمه في هذه الاهتمامات قدر الإمكان وشجعه على ملاحقة شغفه بها. تحدث مع المدرسين في المدرسة عن طبيعة طفلك حتى لا يفهمونه أكثر ويتعاملون معه على هذا الأساس.
شجع طفلك على الدفاع عن نفسه والمواجهة إن لزم الأمر. احرص على الاستماع لطفلك ومشاكله واهتماماته جيدا وتأكد أن من حوله يفعلون ذلك أيضا، لأنه قد لا يطلب المساعدة حين يحتاجها. لا تصف طفلك أبدا بالطفل الخجول ولا تجعله يصدق ذلك عن نفسه. لا تأخذ الأمر على محمل شخصي إذا أراد طفلك الابتعاد عنك لفترة من الوقت وعدم مشاركتك بما يفعله.
أمور لا يجب أن تفعلها مع الطفل الانطوائي
هناك عدة أشياء لا يجب أن تفعلها أبدا مع طفلك المنطوي حتى لا يتطور الأمر معه لمشكلة نفسية حقيقية، مثل: لا تقم بإحراجه عن عمد أمام الآخرين ولا تسخر منه ومن عزلته.
لا تدفعه للتحدث مع الآخرين والدخول في محادثات لا يريدها.
لا تضعه في مجال الانتباه حتى ولو لمدحه في وجود الكثير من الأشخاص.
لا تطلب منه أن يقوم بنشاط فردي أو أداء معين.
لا تتحدث بلسانه وبالنيابة عنه إذا لم يطلب هو ذلك منك.
لا تخطط لأنشطة متتالية بدون أي استراحات لأنه بالتأكيد سيريد وقتا لنفسه.
لا تفرض عليه الخروج واللعب في حين يريد فقط الجلوس بهدوء.
لا تعتبره قليل التهذيب إذا لم يرغب في تحية الزوار في المنزل.
لا تقوم بإخبار الآخرين بمعلومات شخصية عنه إذا لم يقم هو بذلك.
وأخيرا يجب أن تعرف وتتعلم ما يضايق طفلك لتتجنبه وما الذي يحفزه ويشجعه حتى تتطور شخصية الطفل الانطوائي بطريقة سوية بعيدا عن المشاكل النفسية المعروفة للأطفال والتي تصبح مرهقة له ولك في نفس الوقت.
اضافةتعليق
التعليقات