قال رسول الله "صلّى الله عليه وآله": "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه".
يعد طيب الكلام وعدم البذاء من أهم مقومات استمرار الحضارة وصناعة المجتمع السليم، ويُعد البذاء من أسباب فشل المجتمع الحضارة أياً كان مصدرها؛ لأن المجتمع إنما يستمر إذا كان هنـاك اتحاد وتقارب وانسجام، وأما إذا سادته التفرقة فسوف تؤدي لزواله.
إن الكلام البذيء من أهم أسباب التفرقة والعداوة بين الناس؛ يقول الله تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا )، فإذا تكلمتم مع الناس فتكلموا معهم بكلام حسن؛ لأن الكلام البذيء يؤدي إلى التفرقة والاختلاف، حتى لو كان بصورة المزاح، وإذا حدثت العداوة فسوف تحدث التفرقة، وهي بدورها تقود إلى سيطرة الأشرار على زمام الأمور، وحينها لا يتمكن الأخيار من معالجة الموقف؛ لأن الأشرار إنما يسيطرون بسبب التفرقة الحاصلة بين الناس، فضرر الكلام البذيء يصيب الإنسان نفسه قبل أن يصيب غيره.
لذا يجب أن لا يسخر منه أحد، حتى لو كان ذلك العيب موجوداً فيه سابقاً، قال الله تعالى: ﴿عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ}، لأن الإنسان ليس كاملاً في كل الأمور إلا المعصومين، فكل إنسان ينطوي على عيوب إما في خلقه أو خُلقه، أو أصله أو نسبه، فقد خُلق الإنسان ضعيفاً، ولماذا يشير الإنسان لعيوب الآخرين وينسى عيب نفسه، فقد جاء في حديث شريف: "طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس" (٢) ، وجاء في حديث آخر"لو تكاشفتم ما تدافنتم".
إن الله ستار العيوب؛ لذا ينبغي أن لا ننشغل بعيوب الناس. ونتجاهل عيوب أنفسنا، ولو استهزأنا بالآخرين فسوف ينعكس إلا علينا، ويؤدي ذلك إلى العداوة مع الآخرين، كما لانعلم بكم الخسارة التي نسببها للشخص ، فالمجتمع قد يحكم على ماسمعه دون التحقق من الأمر.
وفي عكس ذلك، إذا تعامل الإنسان مع الآخرين بأسلوب وكلام طيب فسوف يؤدي ذلك إلى المحبة، فيحبه الناس ويتعاملون معه بصورة أفضل، وتكون كلمته نافذة لديهم، ويحفظون حرمته.
ويحصل على زيادة في رزقه أيضاً. كما إن صلاح أحوال المسلم في الدنيا لا تكون إلا بصلاح الأقوال والأعمال، وهي ترياق للحياة الكريمة التي خصها الله للإنسان. ولقد علّق سبحانه صلاح الأعمال ومغفرة الذنوب على إتيان المسلم بتقوى الله مع القول السديد، والاستقامة في الدين . فقال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) ( الأحزاب : 70-71 ) ولا تستقيم الأعمال من غير صلاح اللسان.
وفساد استقامة اللسان لا يقتصر أثرها على النفس، بل يتجاوزها إلى المجتمع، فالكلمة تُلقى إما أن تُلهِب نيرانًا، أو تلقي سلامًا، وإما أن ترفع قائلها، وإما أن تخفضه، وقد تكون في ذاتها حقًا ولكن يفهم الناس منها الباطل، وإنه ليجب على المؤمن أن يعلم أن أشد ما يرديه ويردي المجمتع، ويُعقب البوائق لنفسه وللناس هو لسانه إن انحرف عن القصد وسلك غير الصراط المستقيم، فهو إما لسان صدق لا يُنتج إلا خيرًا، وإما أن تسوء به العقبى.
ولهذا كان أعظمُ ما يراعى استقامته بعد القلب من الجوارح: اللسان، فإنه ترجمان القلب والمعبِّر عما فيه. ويبين الحديث أثر استقامة القلب على الإيمان، وأثر الأعمال القلبية على الإيمان، وأن نقص الإيمان ينتج عنه نقص الاستقامة، وأن تأثير اللسان على القلب حال استقامته أو فساده واضح، يعني من جاهد لسانه في الله، حتى لا يخرج من هذا اللسان إلا خيرا، ولا يخرح شرًا، فإنه قلبه يستقيم. ومن مآثر الحكماء قيل: لسان المرء من تبع الفؤاد.
وقد يتورع كثيرون عن الزنا، وعن شرب الخمر، وعن السرقة، وعن غيرها من الكبائر، ولا يتورعون عن آفات اللسان، لا سيما الغيبة وأخواتها، ولذلك قال السلف: "أشد الورع في اللسان". وقيل أن الصمت دليل على الحكمة.
ويظهر من بعض الأخبار أن الفقه هو العلم الرباني المستقر في القلب الذي يظهر آثاره على الجوارح "إن الصمت باب من أبواب الحكمة" أي سبب من أسباب حصول العلوم الربانية، فإن بالصمت يتم التفكر وبالتفكر يحصل الحكمة، أو هو سبب لإفاضة الحكم عليه من الله سبحانه، أو الصمت عند العالم وعدم معارضته والانصات إليه سبب لإفاضة الحكم منه، أو الصمت دليل من دلائل وجود الحكمة في صاحبه "يكسب المحبة" أي محبة الله أو محبة الخلق، لأن عمدة أسباب العداوة بين الخلق الكلام من المنازعة والمجادلة والشتم والغيبة والنميمة والمزاح، وفي بعض النسخ " يكسب الجنة " وفي سائر نسخ الحديث " المحبة " " إنه دليل على كل خير " أي وجود كل خير في صاحبه، أو دليل لصاحبه إلى كل خير( ١).
ولهذا أمر النبي "صلى الله عليه وآله" باستقامة القلب، ووصى باستقامة اللسان، فالعلاقة واضحة لمن تأملها لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه لا يستقيم الإيمان حتى يصلح القلب، ويمتلأ بمحبة الله، ومحبة طاعته، وكره معصيته، فلا صلاح للقلوب حتى يستقر فيها العلم بالله وأسمائه وصفاته، وعظمته ومحبته وخشيته، والخوف منه، ورجاء ما عنده، والتوكل عليه، هذه حقيقة التوحيد، فلا صلاح للقلوب إلا بامتلائها .
وعلى المؤمن أن يرى صلاحه من صلاح أمته، نحن مسلمون ونعيش في رقعة واحدة ويوجد هناك تحد كبير من قبل الأعداء، فإن كثيراً منهم يركزون على حالة التفرقة بين المسلمين، وفقاً لسياسة (فرق تسد)، فحينما تكون هناك تفرقة نتغاضى عن نقاط الاشتراك، وقد نركز على نقاط الخلاف بأسلوب غير أخلاقي ولا إسلامي، حيث يشهر أحدنا بالآخر؛ لذا فمن الطبيعي أن يستفيد الأعداء من هذه الحالة، لكن إذا التزم جميع المسلمين بالعمل الإسلامي والأخلاق الفاضلة فحينئذ سوف نتمكن من الوصول إلى حالة من الوئام والتعايش وبناء المجتمع الإسلامي الذي يمكنه قيادة العالم بالطريقة الأفضل.
وجذر المسألة أننا الآن نواجه في المجتمع غزواً ثقافياً؛ لأن اعداء المسلمين والمتمثل بالفكر الغربي المعادي، يركز على تغيير عقول الناس وخاصة الشباب، وعنده الإمكانيات الهائلة المالية، والعسكرية، والإعلامية، ثم إن هذا الأمر له أناس مخططون إلى أن وصلوا إلى هذه النتيجة. إننا نواجه اليوم أناساً عندهم إمكانيات هائلة جداً، فإذا لم نقابل عملهم بالأسلوب المناسب فإن المشكلة سوف تتكرر.
إن عملية تغيير أنفسنا تحتاج إلى أن نركز على الثقافة الدينية والفكرية والسياسية ، نشغل انفسنا بقضايا مصيرية فأغلب الشباب اليوم يعيش في مرحلة تخبط وعبثية وانهاء يومه بأمور تافهة ومضيعة للوقت دون محاولة إصلاح نفسه وتثقيفها. لذا أقول من أن من أراد المحافظة على صلاح قلبه، فلابد أن يصلح لسانه، من أراد إصلاح قلبه فلا بدّ أن يضبط لسانه، من أراد استقامة قلبه فلا بدّ من ورع لسانه، أن يملك لسانه، فليقل خيراً أو ليصمت.
اضافةتعليق
التعليقات