ماذا لو خلقنا الله فرداً واحداً بلا متاع أو ذرية، في أرضٍ بلا معالم أو حياةٍ أُخرى، كيف يستطيع ابن آدم أن يرى الله أو يشعر بوجوده ويهتديَ إليه، كيف يكون هناك تفسيرٌ للآية الكريمة: (انَّا هَدَيناهُ السَّبِيلَ إمَّا شَاكِراً وإمَّا كَفُورا)، كيف تفكَّر ابراهيم (عليه السلام) في وجودية ربه حتى اهتدى، ما الذي دلَه على الطريق ومن أين له الأدوات اللازمة لِيصل إلى مِحور ومركز وسبب الخلق، أم أنَّ الله خلقنا مكمَّلين بزادنا وأدواتنا حتى نراه ونصل إليه.
قال تعالى: (فَإذَا سَوّيتُهُ وَنَفَختُ فِيهِ مِن رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِين)، وأيضاً قال تعالى: (وَمَريمَ ابنَتَ عِمراَنَ الَّتي اَحصَنَت فَرجها فَنَفَخنَا فِيهِ مِن رُوحِنا وَصَدَّقت بِكَلِمَاتِ ربَّها وَكُتُبِهِ وَكاَنَت مِنَ القَانِتِين)، (تَعرُجُ المَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ اليهِ فِي يَومٍ كَانَ مِقدَارُهُ خَمسِينَ اَلفَ سَنَة).
ذكر الله سبحانه وتعالى الروح في عديدٍ من المواضع ففي الآية الأولى قد نسب الله عزَّ وجل الرُّوح لنفسه وبأنها كيانٌ منه قد نفخها في بني آدم، وكذلك في الآية الثانية (فنفخنا فيه من روحنا)، الدلالة الواضحة التي تشير إليها الآيات أن الروح متصلةٌ بالله تعالى وأنها خُلقت قبل العالم الفيزيائي وأن الإنسان لا يصل إلى قربى الله عزَّ وجل إلا إذا تعرف على ذاته الإلهية
(الرُّوح) التي بعثها الله في كل نفس، وهي الميثاق المتين المتصل بوجود الله عزَّ وجل، فهي التي ترتفع وترتقي اذا تمت العناية بها من قبل الوجود الفيزيائي (الإنسان) ومراقبتها دائماً، فبينما نجد مثلاً لا حصراً اختلاف المذاهب على وحدة دينهم، كل فريقٍ منهم ينادي بأعمال وقرابين مختلفة تماماً عن الأخرى بل وحتى اختلاف في كيفية أداء الواجبات الأساسية مثل الصلاة والحج والعمرة. نجد أن من كل الفرق هناك من لا يقع ذكر الله من منطوقات لسانه وتشهدُ لهُ أرضه وعشيرته بالحسنى، مايشدني جداً أن أيّ شخص على اختلاف مذهبه قد يرى رؤيا مقدسة في المنام يُنبؤ فيها عن أمرٍ عظيم الشأن عن طريق إمام أو شيخٍ مبجَّلٍ لديه ولفريقه على تمايز الفرق وبالفعل تتحقق الرؤيا وتأتيه بشائر الله عن طريق مايؤمن به، مايعتقده ويضمه في طيات فؤاده.
إذاً هي الذات الإلهية (الرُّوح) التي بعثنا بها الله لتضيءَ لنا وهي آفاقنا وسببنا الممتد من الأرض إلى السماء، كلما انزاحت عنها الظلمات والغمم تجلَّت واقتربت لحقيقتها الممتدة لله تعالى.
كلُّ ماذكرتُهُ مهَّدني إليه مامررتُ به من أمرٍ ليس بإمكان أي كائنٍ أن يستوعبه وذكرت هنا (كائن) وليس بشر لأن الرُّوح إنَّما هي بأمر الله يستشعرُ وجودها من استبصر وصعد سلالم وعيه وارتقى حتى يلبي نداء روحه فيرى أوسع مما كان يراه يوماً، يصعد ويغير ردائه وتتَّسع روحه إلى أفقٍ أعلى مما كان عليه، خلال كل ذلك وعند الاستماع إلى نداء الروح وقبل الصعود تنعكس على الانسان حالةٌ من الضيق والمعاناة الداخلية ليصبح الانسان يشعر أنه مسجونٌ داخل جسده المحدود ويرى أن الكونَ لا يتَّسع له وأن من حولهُ ذوي أفقٍ ضيّق ومدىً قصيراً ومحدوداً.
ذلك لأن وقته حان حتى تتغير رتبةُ روحه وأنهُ متجهٌ لسلَّم وعيه حتى يصعد ماتهيَّأ لهُ من عتبات فتبدأ روحه بالاتّساع الذي لا يتناسب مع واقعه الحالي الذي كان ذا قياسٍ جيّد ربما يلائمه ويلائم حالته الروحيه السابقة.
يعاني ويضطرب وتتغيَّر حالتهُ الفكرية وتكثر عليه الهواجس والوساوس ولربما يقترح عليه بعضٌ من قليلي المعرفةِ حوله أو عائلته من منطلق قلقهم وخوفهم من حالته المضطربة بأنَّهُ مسحور أو ممسوس أو هنالِك من ألقى عليه عين الحسد أو أي علةٍ أُخرى يلقون عليها باللّومِ لشيءٍ لا يدركونه، لخطوةٍ مباركة تدفعه إليها حصيلة أعماله وأفكاره وربما دعاء والديه وَمَن حوله، ربما يتردد أو يحاول مجاراتهم ليبحث عن رداءٍ يريحه ويزيل هموم الغموض والشك والخوف من المجهول عن عاتقه فيقمع نداء روحه التي تناديه ويظل يقنع نفسه بمنطقٍ يخالف خط سير روحه.
يقع الكثير في هذا المنعطف للأسف فيرتدونَ عمّا هو أمامهم مِن صعود ليعودون أدراجهم وتبقى أرواحهم تدور في دوائر حول أنفسهم بقية أعمارهم مما يثير السخط وندب الحظ وإلقاء اللائمةِ على القدر، يعودُ ذلك لِمرونة واستيعاب كلِّ شخص، وربما لأسباب عقائدية ومخاوف من الصعود فما هو مجهول أو غامض دائماً يكون مصدراً للقلق، فيبقى الإنسان يدور في دائرته يقنع نفسه لما تبقى من عمره أنني هنا وهنا أقبع وهذا هو قدري ومصيري الذي كتبه لي ربي فسوف أعاني حتى تنتهي الحياة وأرضى بما هو مقدرٌ لي، وفي ذلك مغالطةٌ شديدة لما هو عليه ربُّ العزَّة والجلالة، إذ آتى ابن آدم مصيره بين يديه وعلقه في طيَّاتِ روحه وجنبات عقله، فهو مركز حياته وبذبذباته يجذب لنفسه مايشابه طاقته وكيانه ومايتماشى مع ماضيه وحاضره، أفكاره التي يترجمها عقله ماهي إلا ذبذبات تنتقل عبر الأثير لتحرِّك كل ذرّة متناسبة معها من حوله لتتراقص أمواجٌ ضخمة من الطاقات الكونية فتعود عليه بما تماثل ذبذباته، يقولُ أميرُ المؤمنينَ علي (عليه السلام):
دواؤك منـــــــــك ومــــــــــاتبصــرُ وداؤك فيـــــــك وماتشعرُ
أتـــــــــــزعمُ أنـــــــــــــــــــــــك جُــرمٌ صـــــغيـرٌ وَفيكَ انطوى العالم الأكبرُ
فَأنتَ الكتابُ المُبينُ الذي بِأَحرُفِهِ يظهَرُ المُضمــــــــــَرُ
وماحـــــــاجــــــةٌ لــك من خـــــــارجٍ وَفِــــــكرُكَ فيكَ وماتَصدُرُ.
أعود لأذكر مراحل السُلَّم مُقتَبِسَةً من كتاب فسحة وعي للكاتبة ابتسام علي ص 85:
وضع ديفيد هاوكنز ركائز مهمة ورئيسية في مجال التطوير والوعي، فابتكر سبع عشرة درجة لوعي الأشخاص.
هنا أشرح المراحل بأسلوب سهل وبسيط، أتمنى أن يلامس قلبك ويقفز بوعيك.
تخيل أنك أمام سلم ضخم مكون من سبع عشرة درجة والناس تقف على السلم ولكن بتفاوت، هناك من هو في الدرجة الأولى، وهناك من يقف على الدرجة الرابعة، وهناك العاشرة وهكذا.
مهما كانت درجتك على السلم هناك فرصة لترتقي بوعيك وترتفع إلى أن تصل لمراحل متقدمة. قبل أن نبدأ أوضح الفرق بين المرحلة والحالة، فالمرحلة التي يقبع فيها الشخص أغلب أوقاته لأشهر أو عدة سنوات، والحالة وقت محدد وقصير.
قد يختلط الأمر على الكثير في تحديد مرحلته، فقد يشعر شخص ما أنه يمر بحالة روحانية عالية، مثل السلام أو الحب، ولكن سرعان ماتنجلي لأنها حالة مؤقتة، فيعود لوضعه الدائم، أياً ماكان، إما غضباً أو تأنيباً أو عاراً، وهذا يعني أنه مر بحالة وليست مرحلة. المراحل على سلم هاوكنز من 0 – 20 (مراحل غير واعية )، ومن 20 – 175 (مراحل سلبية)، ومن 200 تبدأ المراحل بالتحسن.
- المراحل:
- العار
- التأنيب
- الشفقة
- الخمول
- الخوف
- الشهوة
- الغضب
- الكبرياء
- الشجاعة
- الحياد
- الاستعداد
- القبول
- الحكمة
- الحب
- البهجة
- السلام
- التنوير.
أسراب الطيور المهاجرة الّتي تطير فيما يشبه الجماعات، كلُّ طيرٍ منها له نفس المجال الطَّاقي لبقيّة الطيور ولذلك توائمت جميعها في سيمفونية حركية متناسقة من موطنٍ الى موطن، ذلك لا يعني توافق أو تطابق كل طيرٍ مع الآخر أبداً انّما يعبِّر بشكلٍ فطريّ عن انجذاب الكائنات بسبب التقارب او التساوي في المدار أو المجال الطاقي.
فعندما كنت أحلّق في مسارٍ طاقي معيّن اقتحم مداري نطاقٌ روحِي شعرتُ به لأوّل مرَّةٍ يحاكي روحي ويتواصل معها بشكل يصعب على كل من لم يجربه أو يشعر به أن يصدقه أو حتى أن يعتقد بوجوده. لا أعلم تحديداً بشكلٍ كامل لماذا وكيف ولماذا أنا ولكن تفسيري واعتقادي أن أرواحنا التَقَت بطريقً تسلُكُه الرُّوح وقد تقاربت مستويات طاقتنا الرُّوحية فوجدنا أنفسنا في مدارٍ طاقي متساوٍ أو متقارب حتى تداخلت كلُّ روح في المدار الطَّاقي الآخر، هُناك فئةٌ من علماء الفلك الَّذين يطلقون على هذا التواصل الرُّوحي بتوأم الشُعلة أو توأم الطاقة كما أُفضّل أن اسميه وهو مثل ماأشرتُ إليه تواجد الروحان في نفس المدار بظروف مادية متشابهة للشخصين جعلهما على نفس المستوى من الطاقة بشكل مُتناظِر.
مادفعني للبحث في هذه الزاوية هو التماس المعرفة عن تجلي قدرة خالق الأكوان.. ياإلهي كيف أستطيع التواصل مع روحٍ أُخرى لشخصٍ لا أعرفه حقَّ المعرفة، أستطيع الإحساس والشعور بأحاسيسه ومشاعره بل وحتى انزعاجه وأحياناً طاقته السلبية.. من الطبيعي أن تجد الأم تشعر بأبنائها حتى مع بُعد المسافة والزمن وذلك لوجود الصلة الرُّوحية بينهم، والتي تتخطى الزمان والمكان، ولكن، من أعجب مامررت به وأدركته أن يلتقط رادار كياني إشارةً لوجود طاقةٍ مقابلة لكياني الروحي قد دخل مداري وتواجد فيه نتيجةً لتشابه الظروف المحيطة وتقارب مستويات ومدى الطاقة الروحانية.
أنسب وصفٍ أراه في مخيلتي لهذا الأمر هو تلاقي شخصين في طريق السَّفر سواءاً كان ذهاباً أو عودة عندما تكون الأرواح قاصدةً نفس الوجهة حاملة لنفس المعتقدات والأفكار والطاقات لذلك اطلقت مسمى (سفر الروح) على هذه المقالة.
حدثٌ جليل شَغَل حيّزاً كبيراً في تفكيري وروحي حتى دَأبتُ أبحثُ عن تفسيرٍ منطقي وواقعي حتى أدركتُ أنه قالبٌ من قوالب تجلّي الرُّوح وربَّما اندفاعها للاستجابة لنداء الرُّوح وتحفيز الإنطلاق من عتبة في السلم إلى عتبةٍ أخرى.. أصبحتُ أرى الكون بمنظورٍ مختلف تماماً عما كان عليه في السابق، فأنا أرى وأستشعر تجلِي عظمة الخالق ودقَّة خلقه وأن لكل شيءً سبب وليس هناك من صدفة فالكون مسيرٌ بقوانين وضعها الله بدقةٍ متناهية تجعل عقلي لا يتسع أن يصدق أو حتى أن يشك أن هناك مايسمى بالصدفة وأن كل شيء قد رتَّبه الله عزَّ وجل وهيَّأ لهُ الأسباب، قال تعالى: ( إنَّا كُلَّ شيءٍ خلقناهُ بقدر)، من منطلق ايماني بما جاء في الآية الكريمة أرى أن لا شعور يكون عابراً بدون سبب، أن لكل احساس أو حدث سببٌ وجيه يدعوك إليه لتستشعر وجوده.
يُوقظُ اللهَ بداخلك إنذارًا تستشعرهُ بكلِّ حواسك إمَّا ينذرك أو يوجهك أو يحفِّز بك شيئاً ما، إن الله لا يوقظُ شعوراً عبثاً.
يقيني بذلك يدفعني للتعبير عمّا أَمُرُّ به، مع صعوبة البوح لأسبابٍ متعددة، لعلي بذلك أضيءُ نجمةً لَمن أراه يتعثَّر في طريقٍ قد مررتُ به لأسهِّل عليه رحلته.
القُلوبُ والأرواح أوعية فإذا أردت أن تعطي فلا بدَّ أن تتخيَّر الوعاءَ الَّذي يليقُ ويتسع لما تُعطي، رؤيتي لهذا الشخص أنَّه شَخصٌ ذو مبادئ ومعتقداتٍ راسخة لا يتنازل عنها أبداً، على قدرٍ عالٍ من الذكاء وبين جوانِبِه رُوحٌ حسَّاسة تستشعر مايحدث حولها ومايجري عليها من تغيرات حتى ولو كانت طفيفةً جداً، لديه طاقةٌ وقوةٌ هائلة لم ألتقِ بمثيلها سابقاً على الرغم من كثرة وتنوع من قابلت وتعاملت معهم إلا أن به أمرٌ مذهل يتعلق بقدراته وطاقته التي أرى أنها يمكن أن تقدم الكثير والكثير وأنها قادرةٌ على التغيير والإنجاز رغم قساوة الظروف، شديد الملاحظة قويُّ الشخصية ومتحدثٌ لبق، من أجمل صفاته الإيجابية التقاط الكلمة العابرة من محادثة سريعة كانت قبل عددٍ من السنين واستخدامها كمحركٍ للاندفاع بايجابية على المستويين الفيزيائي والروحي.
ثقتي ورؤيتي أن وعاء هذا الشخص يتسع لما أسرده ويخطه قلمي. هدفي من ذلك تسهيل الرحلة وتهيئة الروح لهذه الخارطة القدرية والتذكير بضرورة حمل الزاد المناسب مثل الدعاء وكفالة الأيتام وأن أعلَّق نَجمةً في وسط الطريق تخبرك أن شخصاً آخر قد مرَّ بهذا الطريق مسبقاً فلا تشعر بالتردد أو التيه بل اعقد العزم وتوكل على الله وسَترًى نهاية الطريق التي هي بدورها بدايةٌ لطريقٍ جديد وتذكّر دائماً أن الوصول لمراحل أعلى وأصعب وقفز عتباتٍ أطول وأرفع ليس للجميع بل هي لصفوةٍ من الناس ممن استطاعوا اجتيازَ المراحل الأدنى، أرى بك عزيزي القاريء قدراً هائلاً من القدرة والطاقة التي ستقودكَ وتقودها أنت لعديدٍ من الإنجازات والإستقرار على عدةٍ من المستويات.
أود لَفت انتباهك لما استشعرته من علو حجم هذه الطاقة فاستيعابها ممن هم في محيطك قد يكون صعباً منهكاً وشائكاً لك ولهم على حدٍ سواء فأرجو أن تحافظ عليها في مسارها الصحيح ولا تحاول أن تضعها في وعاءٍ لا يسعها، بل استهلكها ربما على عدة أوعية وعدة اتجاهات بما يتناسب معك ومع مواهبك وقدراتك وستغمرك بالإنجازات والنجاحات حتى لو كانت صغيرة أو بسيطة فمحصلة هذه الانجازات مجتمعة تساويكَ أَنت ولو افترضنا أن لكل يومٍ على حدة حققتَ انجازاً صغيراً ففي السنة الواحدة تكون قد حققت 365 انجازاً أضافت لك ودفعتك لتنجزَ ماهو أكثر وأكبر وتكون بذلك اجتنبتَ أَن تكونَ مغبوناً كما قال الإمام الكاظم (عليه السلام): من استوى يوماهُ فَهوَ مغبُون، ومن كان يوميه شرهما فهو ملعو ، ومن لم يعرف الزيادةَ في نفسهِ فهو في نقصان، ومن كان إلى النقصان فالموتُ خيرٌ له من الحياة.
مدارُك عظيمٌ فلا تحدَّه باتجاهٍ واحدٍ محدود.
أودُّ حقاً لو أكونُ قد أوصلتُ ولو جُزءاً بسيطاً ممَّا أُحاولُ ايصالهُ واَعلمُ يقيناً أنَّه لايمكن أن يحتمل ان تكونَ مُخرَجَاتُهُ ووقعُهُ على النفسِ إلا إيجابياً لأنَّ ذَلكَ مَانُويَ به وذلك ماخُطَّ به، ويُقال كما تخرُجُ الكَلِمةُ من نفس صاحِبِها كما تستقبلها نفسُ مستقبِلِها.
اضافةتعليق
التعليقات