عادت خطواتي المُتَيَّمة تتجه صوب المحبوب في رحلة عشق نابغة عن سواها، تلتهب بنيران شوق آسر وتمتزج فيها المشاعر بين حزن يملأ المقل بدمع هامر، وقلب يترنم بفرح غامر للقاء المعشوق الثائر..
معشوق مُتفرد، يهيم بحبه كل من عرفه حتى امسى قبلة للعاشقين، تتهاوى امامه القلوب الوالهة وتخفق شوقا للقائه، تتآلف النفوس وتجتمع الافراد وتصطف الخطوات للسير في طريق واحد مستقيم يؤدي لحضرته، طريق يفيض بحشود موالية توجهت لتجديد العهد، تزداد اعدادها وتكثُر عدتها عام بعد عام، تلك الحشود الغفيرة تأتي من كل حدب وصوب لا تقتصر على فئة او ديانة او طائفة مُعينة بل تتنوع وتختلف بالمذهب والمعتقد ولون البشرة واللغة واللهجة ووو..
لكنها تتفق على إحياء ذكرى قضية الحق الخالدة وتتمسك بمبدأ الانسانية الواحد، وبإرادة جامحة تشترك في كل شيء من شأنه خدمة هذه القضية العظيمة، ولا تُفرق بين الوافدين والمُنضَمين إليها مهما كانت اختلافاتهم، حيث يجمعهم العزاء وتحملهم مشاعر الحزن والبكاء وتدفعم الغيرة والحمية بالفطرة الانسانية، وحينها تتفتق في قلوبهم جراحات المظلومية وتعلوا في اعماقهم صيحات الثأر، وتلبية نداء النصر..
يُرتلون نفس العبارات ويسكبون العبرات، يُساند احدهم الآخر دون سؤاله ومعرفة من يكون ومن اين اتى، ففي تلك الرحلة الغناء يتساوى خلق الله ولا تَميِّيز بينهم، فالغني فيهم من ترتفع لديه درجات الولاء والوله، يكفي انه سائر في درب المعشوق، هويته التلبية وعنوانه الحُب ..
في تلك الرحلة المنشودة يتجرد العاشق من كُل اضطراب يشكوه وكل هم يحمله وينسى ان يقلق او يخاف، تنتاب جوارحه حالة سكون أخاذة نقية، وتُزهر عاطفته بحب كبير طاهر تجاه كل ما يراه وكأنه ولد للتو! يسعى على قدميه ليل نهار، لايأبه الاخطار يتحمل شتى المتاعب على غير عادته ولا تعيق مسيرته تقلبات الطقس أو شيء يُذكر ..!
يُصبح انساناً حراً لا تُكبله قيود، ينسى الخذلان وقساوة الأيام، ويشعر بشيء من العظمة لكونه يعدو راكضاً عشرات الكيلو مترات بكل عزيمة وثبات، وأينما اتجه يجد نفسه كالمَلِك الذي خَرج في جولة، يُرحِبُ به الجَميع ويتسابق لخدمته الكبير والصغير!.
وعلى طول المسير تمتد أمامه مائدة تحوي ما لذ وطاب من طعام وشراب، وما ان احس بالتعب سيُحمل على كفوف الراحة مع هتافات تعلو بالتهليل والامتنان لوصوله الميمون! وكأنه في الجنة وكأن الذين أمامه اشبه ب (ولدان مخلدون اذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا).
هذا هو ما عليه حال ذاك العاشق (المشاي)، ياتُرى اي معشوق هذا الذي يُفرش دربه ويَكتظ بجماعات خَيّرة من الموالين العامة والسادة يفتخرون بلقب "خُدام" متأهبين مترقبين وصول زواره؟ تُرى اي معشوق هذا الذي تحتار العقول بوصفه، ويتسارع النبض للقائه، وتسيل المآقي بحُرقة ما ان اتى ذكراه، يتصدع القلب وتُقطع النياط لسماع مُصيبته، وتثأر النفوس لمظلوميته، وتُبذل الاموال والاولاد لأجل خدمته ونصرته، وتفيض الارواح فداه؟
ستسمع الجميع ينادي لبيك يا "حُسين" لبيك لبيك ابا عبد الله، شباباً وكهول، اطفال ونساء بصوت واحد فتصدح حناجرهم بالنداء لنصرة إمام تقي وولي سَمي، صاحب ثورة الحق، ناصر المظلوم ومُذل الظالم، اعظم قائد عرفته الانسانية، سيد الشهداء الحُسين ابن علي أمير المؤمنين (عليهم افضل الصلاة والسلام)..
معشوق رحل منذ اكثر من الف واربعمئة عام يحيا في ضمير كل انسان حُر سَمِع عنه، وسكن قلب كل من نال شرف معرفته وزيارة مرقده، تربع على عرش القلوب وصار مصباحاً للهدى ووجهة المكروب، تقشعر الأبدان لوساطته في تلبية حاجات المُحتاجين، حيث تتوالى حصول المعجزات بفضل مكانته عند الله تعالى .
لشفاء المرضى لطالب المُراد لمكسور الخاطر لمحروم الذُرية لكل محتاج ضعيف، زُر حُسينا عارفاً بحقه، جدد عهدك بالثبات على الولاية وأخذ الثأر مع وليه الحجة المنتظر (عج) من ذريته، توسل واستشفع به، وكُن على يقين بقبول دعواك، فإن له شأن عظيم عند رب كريم، انه رسالة السلام لحِفظ الاسلام التي مُزقت إرباً إربا، وخُلدت بفخرٍ وإباء، تجسدت فيه كُل معالم الايثار مولانا حسين ابا الاحرار..
فيا لَجمال تلك الرحلة المتمناة ويا لَحُسن حظ المسافرين والقائمين عليها والمجاهدين في سبيل الحفاظ على ارواح الزائرين والساهرين على خدمتهم، هنيئاً لكل عاشق بعشق مولاه وكل سائر على درب كربلاء وكل زائر تَبرك بزيارتهم، اللهم ارزقنا زيارة الحسين وشفاعة الحسين يوم الورود .
اضافةتعليق
التعليقات