الحب والنوايا الطيبة وحدهما لا يخلقان طفلا صحيحا وآباء ناجحين، فهناك جوانب أخرى في نمو الطفل ينبغي أن يلم بها الآباء والمعلمون إذ من شأنها أن ترشد نوايانا الطيبة وحبنا للطفل حتى نعامله بصورة أكثر فاعلية.
ولعل أهم ثلاثة أشياء ينبغي معرفتها عند التعامل مع الطفل هي ما يأتي:
1-إن السلوك الإنساني عموما بما فيه سلوك الطفل يتطور وينمو في مراحل ودورات، صحيح أن هذه المراحل قد تتداخل فيما بينها من خلال فترات انتقال بين كل مرحلة والمرحلة التي تليها، لكن السلوك بشكل عام ينبثق على فترات.
ولهذا فمن الممكن التنبؤ بــه ومن ثم الإعداد له بما يلزم لمزيد من الصحة والتطور. بعبارة أخرى، ومع اتفاقنا على أن سلوك الطفل في المستقبل سيكون مرتبطا بطريقة ما بما يلقاه من رعاية أو إهمال أو تعامل أبوي، فإن أساسيات سلوك الطفل تعتمد في نموها وتطورها على جوانب أخرى ثابتة من النمو.
2- السلوك الإنساني في كثير من أجزائه يعتمد على عوامل بنائية ومعنى هذا أن الطفل يتصرف ويسلك هذه الطريقة أو تلك بسبب بنائه البدني واستعداداته الجسمانية.
3- ينبغي التنبه دائما إلى مرحلة النمو التي يعيش فيها الطفل وذلك قبل القفز بالحكم على سلوكه بالمرض مثلا وقد بين جيزيل منذ فترة طويلة أن البدء بتدريب الطفل مبكرا على أداء نشاط معين وقبل أن يكون مستعدا من ناحية النضج العضلي والمهارات الأساسية قد تكون له نتائج سلبية، وضرره يكون أكثر مما لو لم نقم به على الإطلاق.
4- النمو لا يسير بطريقة مستقيمة ولكنه يأخذ أحيانا شكلا حلزونيا.
صحيح أنك تتوقع نضجا أكثر كلما نما الطفل وتقدم في العمر، لكن هذه القاعدة ليست صحيحة على إطلاقها، فالتقدم والنضج يسيران أحيانا بشكل دورات تفصل بينها مراحل من عدم النضج والسلوك الطفلي سبق للطفل أن مر بها من قبل، فمثلا تكشف بعض الدراسات المحكمة عن سلوك الأطفال في السنوات العشر الأولى من العمر، وأيدتها في ذلك دراسات أخرى عن الأطفال السادسة عشرة، أن السلوك يتطور في شكل دورات، تحدث الدورة الأولى بين سن الثانية والخامسة وتتكرر نفس الدورة بين سن الخامسة والعاشرة، وتحدث الدورة نفسها مرة أخرى بين سن العاشرة والسادسة عشرة.
وهذا يشير إلى أن الحكم على طفل بعدم النضج أو المرض أمــر ينبغي الحذر منه ليس فقط في الأعمار الصغرى بل حتى سن السادسة عشرة .
فالطفل في الفئات العمرية الأخيرة يتميز بسلوك أصعب وأكثر تعثرا واختلالا من السلوك في الفئات العمرية الأخرى.
إن القبول بمراحل النمو لا يعني أن كل الأطفال سيمرون بنفس التغيرات العضوية في الوقت نفسه، وبنفس القوة،صحيح أن الغالبية العظمى من الأطفال العاديين ستتماثل في السلوك الانفعالي أو الاجتماعي عند الدخول في مرحلة من مراحل النمو، لكن هناك بالطبع أطفالا سيتأخر دخولهم مرحلة معينة، وآخرين يسبقون غيرهم في دخول تلك المرحلة، لهذا فإن الاختلافات بين الأطفال في العمر الواحد أمر ينبغي توقعه وينبغي حسابه.
إذن فإن الأهم هو الترتيب الذي تمر فيه مراحل النمو وليس التحـديـد الدقيق للعمر المناسب للدخول لهذه المرحلة أو تلك .
والانتقال من مرحلة إلى أخرى يعني أن سلوك الطفل قد ينقلب إلى ضده، فالطفل في سن الخامسة مثلا قد يبدي تعلقا شديدا بأمـه فيتبعها كالظل أينما تذهب، ولكنه في السادسة يدخل في مرحلة امتداد اجتماعي، فلا تراه الأم لأنه في غالبية الوقت إما خارج المنزل أو مع أصحابه، أو يكون مستغرقاً في اكتشاف شيء جديد في المنزل أو في الخارج، ويتطلب التوازن في النمو ألا نسمح بالتحكم الكامل لأحد الميول بسلوك الطفل، بل أن يوجه الطفل للتكامل بين اتجاه وآخر، كالتعلق والانفصال عن الأسرة مثلا، لأن القبول بغلبة أي ميل سيكون تخليا عن إحدى نواحي التكامل الصحي والنمو السليم .
وينبغي أيضا أن نتذكر أن لكل مرحلة من مراحل النمو إيجابياتها وسلبياتها، لكن يجب أن نتذكر أن هذه الإيجابيات أو تلك السلبيات ينبغي تقويمها في ضوء متطلبات المرحلة ذاتها، وليس حسب قيمنا أو متطلباتنا الشخصية، بعبارة أخرى فإنه ينبغي تقويم خصائص كل مرحلة بالمقارنة بالغالبية العظمى من الأطفال العاديين.
مثال: الطفل في سن ٥,٥ إلى ٦ قد يكون أكثر تمردا وعدوانية وإلحاحا وأنانية من الطفل في سن ٧ الذي يتميز بدوره بالتقلب الوجداني والتذمر والتعبير عن عدم السعادة.
وإذا كان الطفل من النوع الأول (من سن ٥,٥ إلى ٦ سنوات) يسهل توجيهه إيجابيا بحيث يكون أقل أنانية وأكثر تحمسا وجرأة وحبا للحياة، فإنه يصعب توجيهه بحيث يكون أكثر قدرة على الانضباط والتأني وإعمال التفكير كما هي الحال في طفل السابعة الذي يسهل ببعض التوجيه اكتسابه هذه الإيجابيات.
اضافةتعليق
التعليقات