مَن مِنّا لَم يَتخلخَل مَسامِعُهُ مُصطَلَح (عَمود الخَيمَة)؟
ذَلِكَ التَعبير الدَافِىء الذي تردّد عَلى ألسِنَة جداتِنَا بِعيونٍ وَقادّة مُتلألأة وَإبتِسامَة بَاهِتَة تَرسِمُ الذِكريات الصفراء عَلى هَيئَة تَجاعيدٍ حَولَ العَينين والوَجنَات، كُلّمَا تَكلمّنَ عَن آباءهنَّ..
كَبِرنَ جداتنَا وأورَثَنَ هَذا المُصطلَح لأُمهاتِنَا وَكبِرنَ أُمهاتُنَا وَأورثنّهُ إيانا وَمازِلنَا نَرىٰ الآبَاء أعمِدَة لَا تَقومُ خَيمتُنَا بِغيرِهَا
لَكِن هَل تسائلنَا يَومًا إن كانَ الأب هو عَمود الخَيمَة.. فَمنِ الخَيمَة أساسًا..؟
جميعُنَا عَلى عِلمٍ وَثِقَة بإنَّ دَور الأب والأُم في العَائِلة مِثلهُ مِثل (التَمر والراشي) لا يَفترِقَان
فلا يُستلّذُ احدُهما دون الآخَر عَلى المائِدَة، كَذلك الأُّم والأب.. كِلاهُمَا يُتّمم الآخَر ولو وددتُ أن أُشبّههما بتشبيهٍ آخَر لَكانَ اللَيلُ والنُجوم خَيرُ تَشبيهٍ أختَار، فلا تَحلو النُجوم إلا بِالسمَاء المُدلهمّة السَوداء، ولا تَحلو سماء الليل من غيرِ نُجوم، ولو رَجِعنا لِبدايَة حديثنا فلا تَقومُ خَيمَةٌ مِن غَيرِ عَمَد.. ولا يَفلَحُ العَمَدُ بلا خَيمَة.
فالأمُّ والأب دَورُهما مُكمِّلٌ لِلآخَر في العَائِلة، يُولَدُ الطِفلُ رُوحًا صَغيرَة مُفتقِرَة لِلعَواطِف والمَشاعِر فيُغنيها الوالدين مِن كِيسِ تَضحياتِهِم حَتىٰ يَيفَع ثُمَّ يَشُّب ثُم يُصبِحُ رَجُلًا كَامِلاً او إمرأة كَامِلَة، لِذلِك نَجِد إنَّ الطِفل الذي تَرعرَع وَشبَّ وَدرَجَ في أُسرَةٍ مُتكامِلَة مُتصالِحَة يَنشأُ صِحيًّا.. صَالِحًا.. مُتصالِحًا.
فَلا بُدَّ لِلمُجتَمَع عِندمَا يَذكُر عَمودَ الخَيمَة أن لا يَغضَّ طَرفَهُ عن الخَيمَةِ أيضًا.. وَعلينا أيضًا بِكُونِنَا قِطعَةً مِن كَعكَةِ المُجتَمَع أن نَدعَس عَلى المَفاهيم المَغلوطة التي تَنسِبُ التربية من شأنِ الأُّم فَقَط.. في حين إنَّهَا مِنْ شَأنِ الطَرَفَين ولم أجِد مُستوعِبًا لِهذا الأمر غَير إدارةِ المَدارِس عِندمَا يَبدِرُ مِنَ الطالِبِ أذيّةٌ او مُشاغبَة يُرسِلونَ عَلى كِلا ألابوين ولا يَرمون العِلَّةً عَلى الأمٍ فَقَط.
وَمَعَ تَوالي الأزمَان أصبَحَ مِن مُتطلّبات العصر أن تكون الوالدَة عَامِلة بِوظيفَةٍ يوميّة حَالُهَا مِن حَال الأب لِحَصادِ ثَمراتِ دِراستِهَا وَإعالَة نفسها اولًا.. وَمُعاونَة زوجها في المَعروف ثانيًا ، فَأصبَحَت مَهامُهَا مُضاعفَة وَقد تُحرَمُ حَتىٰ مِن جَلسَةٍ ظُهريّةٍ امام التِلفاز ، فَهُنَا سَيكون دَور الأب في مُعاونتِها ، وماذا لَو تَقاسما أعمال البَيتِ مَعًا؟
هِي تَطبُخ.. وَهوَ يَغسِلُ الصُحون ، هِي تُنيّم الأطفال.. وَهو يُوضّبُ ألعابَهم، هِيَ تَغسِلُ الغَسيل.. وَهوَ يَنشُرُه .
لا نَنسى بإنَّها المُتفضِّلة في العَائِلة بتولّي شؤون الطَبخ والتنظيف إذ إنَّهَا لَيسَت من واجباتُهَا المَقرونة لَها ولم تَرِد آيَةٌ او حَديث يوجِبُ عليها ذَلِك .
وَلو رَجِعنا للروايات الشريفة لوجدنا إنَّ الإمام علي عَليهِ السَلام كانَ يَجلِسُ مع السيّدة الزهراء وَيغسلُ مَعها الصُحون ، وَسيّدُنا مُحمّد كانَ يَرقَعُ ثوبَهُ وَيخصِفُ نِعليه وَيكنِسُ دارَه، وَمولانا زَينُ العِبَاد كانَ يُساعِد النِسَاء في طَبخ الثَواب في كُلِّ ذِكرى لإستشهادِ ابيه الحُسَين عَليهِ السَلام .
الأمر لا يَقتصِر عَلى الأمور البيتية فقط من طَبخٍ وَكنسٍ وما إلى ذَلِك ، وَإنمَا يَشمِل التربية أيضًا ، فهي واجِبُ الإثنين.. وليس أحدُهُمَا.
لَو سَمِعنَا الآن بِقضيّةِ خَطفٍ لِطفلٍ صَغيرٍ أو حَادِث مُعَين لكان اوّل ما يتبادر بِأذهانِنا ويُتداول عَلى السِنتِنَا (وين أُمه؟!) في حين يَكون الأب خَارِج إطار الصُورة..
أوَلَيسَ الطِفل قَد خَرَجَ مِن رَحِمِ الأُم، وَصُلبِ الأب؟
اضافةتعليق
التعليقات