لكل أم ضغطت على الزر وانتقلت إلى الصفحة الرئيسية لتقرأ وتعرف ما هو السلاح الذي تحمله معها على مدار الأربع وعشرون ساعة دون أن تعرف ماهيته وقدرته على قتل أطفالها وسلب أمومتها.. أهنئك في البداية على حرصك في التربية واهتمامك البالغ بأطفالك وشغفك لمعرفة التفاصيل حول السلاح الذي لربما لم تستشعري مدى خطورته لذا سنوافيك بالحالات التي سببت حوادث بليغة مع تفسير واضح لكل حادثة.
الحالة الأولى:
السيدة (م، ح) أم لطفلين، جلال في السابعة من عمره، وريما في الثانية من عمرها، كانت أم جلال في المطبخ تحضر بعض الحلوى لضيوفها الذين كان من المفترض أن يزورها في الساعة السابعة مساءً، ولشدة اندماجها مع الأغاني الترند التي غزت مواقع التواصل الاجتماعي لم تكن سماعات البلوتوث تفارق أذنيها، وللتخلص من أصوات الأطفال المزعجة رفعت صوت السماعات إلى اقصى حد لتنقطع كل الأصوات من حولها.
لقد كانا طفليها يلعبان ويركضان في الغرفة، وبعد محاولة جلال الفاشلة لتسلق الخزانة التي تحوي على الألعاب سقط هو والخزانة على أخته ريما وعلق الاثنان تحتها، وبين نداءات الاستغاثة والصراخ والبكاء، بقي الطفلين عالقين تحت الخزانة إلى أن انتهت أمهم من عملها في المطبخ أي قرابة ساعة ونصف.
وبعد نزعها للسماعات تفاجئت بالصمت المطبق الذي لم تتعود عليه في وجود طفليها المشاغبين، واتجهت سريعا إلى الغرفة حتى شاهدت المنظر المفجع، فقد كان الطفلين فاقدي الوعي من شدة ضغط الخزانة ومن تعب الصراخ والبكاء!
انتهى الأمر على خير بتعرض الطفلين الى بعض الكسور والرضوض، فكما قال الطبيب هنالك معجزة شملت حال الطفلين، فلولا رحمة الله لكانا اليوم في عداد الموتى!.
فسّرت الحادثة استشارية الأطفال (د. سمانة حمد): أن انعزال الأم سمعيا وبصريا عن الأطفال هو أمر خاطئ جدا وقد يؤدي إلى كوارث ليست في الحسبان، فالأطفال يعيشون أقصى مراحل الاستكشاف ولا يستشعرون الخطر من حولهم فمن المهم جدا أن تزيد الأم انتباهها، خصوصا في المراحل العمرية الأولى من حياة الطفل.
الحالة الثانية:
السيدة (ص، م) أم لطفل واحد يدعى محمد والبالغ من العمر عشر سنوات، اتجهت أم محمد اليوم إلى عشرات المستشفيات الخاصة بمرض اضطراب النمو والتوحد، وعلى رغم العلاجات والمراقبة التي يتلقاها محمد في أفضل المستشفيات وعلى يد أمهر الأطباء، إلاّ أنه لم يشهد أي تطور في حالته الصحية.
وجاء تشخيص الأطباء على أن حالته تعود بسبب انعزاله التام عن المجتمع الخارجي وقلة الحركة وتغطرسه الدائم في الموبايل وعدم اختلاطه مع الأطفال وعدم احتواءه من قبل عائلته منذ فترة نشوئه إلى يومه هذا.
فالطفل يجهل أشياء كثيرة ولا يعرف كيفية تبادل الحديث حتى مع الأطفال الذين في نفس عمره.
وكان للاستشارية (د. سمانة حمد) تفسيرا لحالة الطفل محمد: مع بالغ الأسف هنالك أطفال يعيشون درجة عالية من الإهمال من قبل الأهالي وخصوصا الأم، إذ بات أسهل طريقة للتخلص من ازعاجات الطفل هو اعطاءه الهاتف ليدخل الطفل على أثره في انعزال تام لساعات طويلة.
وبالتأكيد انعزال الطفل له تأثيرات سلبية كثيرة أولها التوحد والخوف من المجتمع والرهاب الاجتماعي والخمول الحركي، وغيرها من الأمراض التي تسبب أضرارا كبيرة على الوضع الصحي والنفسي للطفل وتترك أثرا بليغا على مستقبله.
وللأسف كل الصدمات والثغرات التي يعيشها الإنسان في فترة طفولته تبقى مستمرة معه إلى الكبر وتسبب ندوبا في شخصيته يصعب علاجها والتخلص منها بسهولة.
الحالة الثالثة:
السيدة (ص، ا) أم لفتاة مراهقة تدعى فاطمة تبلغ من العمر ١٧سنة، تقول أم فاطمة: أشعر بأن بنتي البريئة قد ماتت، فمن تعيش معي اليوم هي فتاة لا أعرفها ولا تشبه الطفلة التي أردت تربيتها.
تكمل أم فاطمة كلامها قائلة: بسبب انشغالي الكبير في عملي خارج المنزل كنت اضطر أن أضع بنتي في حضانة وعندما كنت أعود إلى البيت أكون منهكة جدا فكلما كانت فاطمة تأتيني للحديث أو الملاعبة كنت اتهرب منها بإعطائها الموبايل، وحقيقة لا أعرف ماذا كانت تشاهد ولمن كانت تسمع، اليوم وبعد مرور هذه السنوات أشعر بأن لفاطمة توجهات غريبة لا تتلاءم مع طبيعة أفكارنا وعقائدنا الدينية، وأصبحت أنصدم جدا من ردود أفعالها وطريقة كلامها فقد أخذت وجهة تختلف جدا تماما عن وجهة عائلتنا، فبات الانحراف الفكري والعقائدي ظاهرا عليها، وأصبحت تبتعد شيئا فشيئا وليس لي أي إمكانية في السيطرة عليها... اليوم أدركت بأن طفلتي البريئة قد ماتت.
قالت (د. حمد) عن حالة فاطمة: "مع بالغ الأسف هنالك الكثير من الأهالي الذين يغفلون عن أطفالهم بسبب ضغط العمل الوظيفي، والمشكلة الكبرى هي عندما يتمادى الإهمال حتى بعد انتهاء الوظيفة ويستمر ذلك بعد العودة إلى المنزل، فتصبح الحضانة هي عائلة الطفل ويصبح الموبايل هو المربي والموجه الوحيد، وفي ظل الانحراف والفساد الموجود في شبكة الإنترنت لا نستغرب أن يأخذ الطفل الأفكار والمعتقدات المنحرفة وتنبني شخصيته عليها وتترسخ فيه كل المبادئ والقيم التي تلقاها من شخصيات موجودة في الانترنت سواء كانت شخصيات سيئة أو جيدة!
فالعدو بات يتربص بأطفالنا ويغتنم فرص انشغالنا عنهم ليقود تربيتهم ويأخذ هو الدور ويزرع في دواخلهم ما يريد من أفكار ومعتقدات بما يخدم مصالحهم وبما يؤدي بالمجتمع إلى الضلال والانحراف.
الحالة الرابعة:
السيدة (ي، س) أم لثلاثة أطفال، سارة، رنا، نور، تقول أم سارة بأن فتياتها متطلبات جدا، ويزعجونها بثرثرتهن التي لا نهاية لها، فهي تحاول الهرب منهن إلى العالم المجازي ماسكة هاتفها تنتقل من برنامج إلى برنامج ومن منشور إلى منشور آخر، لكنها تعرف جيدا بأنها ليست حجة مقنعة، وأن فتياتها يحتجن أن تسمعهن وتشاركهن النشاطات المفيدة ولكنها لا مزاج لها في عمل أنشطة وقضاء وقت مع ضجيج الأطفال المتواصل.
قالت (د. حمد) عن حالة أم سارة: لا شك أن كل أم تحتاج إلى لحظات استرخاء بعيدا عن ضجيج الأطفال، ولكن هذا الأمر لا يتمانع مع التواصل الايجابي مع أطفالها ومشاركتهن الأنشطة والألعاب لما لها من تأُثير إيجابي كبير على شخصية الطفل ونموه الطبيعي، فالطفل السوي يكبر وسط عائلة محبة فيشعر بقبوله من قبل والديه ويكوّن على أثره شخصيه متعادلة.
"وتبين دراسة بعنوان «توقع المشكلات السلوكية للأطفال بناء على استخدام الأمهات الإشكالي للشبكات الاجتماعية الافتراضية» أن هناك علاقة إيجابية ذات دلالة إحصائية بين إشكالية استخدام الأمهات للإنترنت ومشكلات الأطفال السلوكية، إذ تتأثر التفاعلات الأسرية بقدر استخدام الوالدين لوسائل التواصل الاجتماعي، وعدد ساعات الاستخدام."
ما ذكرناه في الأعلى ليست إلا حالات قليلة من بين آلاف الحالات التي تحصل في العالم، فبات الانترنت هو الإدمان الأكثر خطرا على المجتمع، فكم من أطفال فقدوا حياتهم بسبب اهمال والديهم، ووفقا لدراسة فإن الأمهات يقضين جزءًا كبيرًا من وقتهن كل يوم في استخدام الشاشات، وخاصة الأجهزة المحمولة باليد، حيث تتزايد نسبة الاضطراب الذي تسببه الأجهزة المحمولة لكل من الأمهات والأطفال، فما إن مسكت الأم هاتفها حتى نست نفسها وانفصلت عن العالم الخارجي!.
فهل أصبحنا نعي أهمية دور الأم في صناعة الانسان حتى نضيع كل هذه الساعات والأيام الثمينة على شيء جماد بينما فلذات أكبادنا يربيهم الصالح والطالح على الانترنت؟!
أترك جواب هذا السؤال لكل الأمهات الواعيات اللاتي يقدمن مصلحة أطفالهن على كل شيء، ويستوعبن مقدار المسؤولية التي وضعها الله بين أيديهن..
اضافةتعليق
التعليقات