قال تعالى في محكم كتابه الكريم {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ .. } 1.
فمن المشار إليهم في الآية الكريمة أعلاه ب "السابقون"، "العدول" ،الثقة"، "الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه"؟
هل هم كل مَن عاصر زمن رسول الله صلى الله عليه وآله، وشهد الشهادتين وبايعه تحت الشجرة وصلى القبلتين، وجاهد معه بدر وأحد وحنين؟.
كلا، لأن "مِن" في الآية الكريمة تفيد "التبعيض" أي أن البعض منهم لا كلهم ثقات وعدول .
كما أشارت بياناتهم صلوات الله عليهم في (وبِإِسْنَادِهِ إِلَى سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ لَهُ فِي جَمْعٍ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ فِي الْمَسْجِدِ أَيَّامَ خِلَافَةِ عُثْمَانَ: فَأَنْشُدُكُمُ اللَّهَ أَتَعْلَمُونَ حَيْثُ نَزَلَتْ: «وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ» سُئِلَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ؟ فَقَالَ: أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَنْبِيَاءِ وأَوْصِيَائِهِمْ، فَأَنَا أَفْضَلُ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَ رُسُلِهِ وَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَفْضَلُ الْأَوْصِيَاءِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ.، وفي تفسير عليّ بن إبراهيم ثمّ ذكر السابقين فقال: «وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ» و هم النقباء أبو ذرّ و المقداد و سلمان و عمّار و من آمن و صدق وثبت على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام).(2
وكما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله أن الغالبية من الصحبة قد ارتدوا على الأعقاب ، فلا يخلص منهم إلى يوم القيامة إلَّا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ. بقرينة ما هو واضح في قوله (إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى، ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى بعدك، فلا أراه يخلص فيهم إلَّا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ.)(3.
وفي قول الله تعالى { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ}(4) وقوله صلى الله عليه وآله أيضًا: (أيها الناس، قد كثرت علي الكذابة، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ثم كذب عليه من بعده).(5) خير برهان على كَثرَة المنقلبين والمرتدين و"الكذَّابين"و"المخالفين""والمعاندين" "والمتآمرين" عليه ، وكَثرة مَنْ توعَّدهم وأنذرهم بنار جهنم وسُوء العقاب، سوى ممن شَهِد زمانه، أو مَن أتى بعدهم ورضى بفعلهم"، فالجميع مشتركين في الفعل وفي الحكم ".
وقد يخطأ مَن يعتقد أن وجود "الصحابي" في زمن سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وملازمته له يعدّ تشريفًا وتزكيةً له حتى ولو كان مقصرًا في دينه ومعتقده، كلا، بل وجوده هذا يجعله متهمًا، ويصبح شاهدًا وناطقًا عليه وعلى تبدله وفسقه وانحرافه، لأنه سمع من رسول الله جميع أحكامه وسننه وتشريعاته، ثم خالفه ولم يمتثل لأوامره.
فقد تمادت بعض مدارسهم في تعريف "الصحابي"، فقالت مثلًا: إن كل من لقي رسول الله صلى الله عليه وآله ومات مسلمًا، سوى طالت صحبته معه أم قصرت، حتى وإن لقيه ساعة واحدة من الزمان ، حسب كلام الحجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هجرية عن ابن حزم الأندلسي في كلام مختصر (كلهم من أهل الجنة قطعًا وأيضا كلهم من أفضل البشر وأفضل الناس، فقط يتقدم عليهم الخلفاء الأربعة ثم العشرة المبشرة بالجنة، ثم بعد ذلك يأتي عامة الصحابة). كما جعلهم "المقريزي " في مستوى أهل الغيب، وذلك في قوله (ونحن وإن بلغنا من الفضل ما عسانا نبلغه، فإن فهم مقامهم على مقدارهم، مستحيل أن يصل منا أحد إليه، وذلك أن أكثر ما نبحث عنه من العلوم، وندأب فيه، فإنه حاصل عند الصحابة بأصل الخلقة، لا يحتاجون فيه إلى تكلف طلب، ولا مشقة درس، كاللغة، والنحو، .. وكذلك ما فطروا عليه من العقول الرصينة، ما مَنّ الله تعالى به عليهم، من إفاضة نور النبوة العاصم من الخطأ في الفكر،(6) "أي مهما وصلت من العلم لا تستطيع ان تستوعب مكانة وعلم هؤلاء الصحابة" وبذلك يستوي عندهم أبو سفيان ومروان وفلان وفلان، وكلهم أفضل البشر ويذهبون إلى الجنة قطعًا.
وزعموا أيضًا أن الله تعالى مدحهم وزكاهم وفضلهم في القرآن الكريم ، وقالوا هم المعنيون في تلك الآيات {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ..} (7)..و{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ..}(8){ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (9).
وعلى تلك الرنّة يصبح "114 ألفًا من الصحابة " كلهم " عدول" و"ثقات" و"أمناء" ، و"رضي الله عنهم" "ورضوا عنه " لا يحتاجون إلى توثيق أو تزكية من أحد ، بل لا يجوز الطعن فيهم أو في سيرتهم الذاتية، وشعارهم الذي يصدحون به هو "اذكروا محاسن موتاكم" ، حتى وإن شهد عليهم التاريخ بالفسق وسوء المنقلب يجب السكوت والتغاضي عنهم، لأنهم أفضل وأحسن وأخير ما أولدتهم البشرية. فمن يعترض ذلك ويخالفه يحكم عليه بالكفر والفسق والزندقة.
فمَن إذن الذي اقترف أعظم موبقة بحقِ أعظم نبي تقي ، نقي، مجتبى في الكون؟، ومن الذي تعدى على حرمته ومكانته المقدسة، ومن الذي رفض كتابة وصيته في يوم "رزية الخميس".. وأصرّ على ذلك ، ومن الذي قال عنه "إِنَّهُ لِيَهْجُر"،" وحَسْبُنَا كِتَاب اللهِ"؟، ومن الذي هجم على بيت النبوة ومعدن الرسالة ، ومن بطش ب"الزهراء" ابنته وأسقط "المُحَسن" جنينها ، ومن ردم بابها وألحق سمائه بأرضه؟.، ومن الذي اغتصب وتعدى على مقام خلافة بعلها علي أمير المؤمنين وصي رسول الله صلى الله عليهما وآلهما في يوم "سقيفة بني ساعدة"؟، ومَن أول من سنَّ سُنَّة المَقابر الجماعيَّة ،؟ ومَنْ قيل فيه "وليِّت علينا فظًا غليظ القلب"؟ ومَنْ نَهب مَال فدك، وخيبر ، والعوالي، وتكدَّست عنده أموال قارون و فرعون وهامان ؟!.
ومن هي تلك التي حذرها رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأنذرها لئلا تَخرج في حربٍ على إمام زمانها وحجتها ، فتنبحها كلاب الحوأب ، وانها والله لفعلت؟ ، ومن ذا الذي وصفه الله بالفسق وعدم الإيمان في قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} (10)..{ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ(11) ومن قال عنهم {فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ..}(12) ومن الذي وصفه الله تعالى بالكذب والنفاق في قوله {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} (13)، ، ومَن ومَن..
إذن أمام ذلك السَخف من القول ؛ الذي لا يقبله عقل ولا منطق ، لا يمكن أن تصمد مقولتهم فيهم ب"عشرة مبشرة بالجنّة " ، وان اجتهدوا على صقل وتحسين شخصياتهم، فما اقترفوه بحقِ رسول الله وعترته الطيبة الطاهرة واضح وبيّن كوضوح الشمس في رابعة النهار.
ولو صحت مقولتهم تلك "عشرة مبشرة بالجنّة" لما ارتعدت فرائص أحدهم عند الاحتضار والموت من شدة الفزع والخوف ، ولما تمنى الآخر منهم عند موته بقوله "وددت أني لو كنت نسيًا منسيا" أي حيضة في خرقة، وعلى ذلك فحدث، فلا عشرة واعدة ولا جنَّة موعودة ولا هم يحزنون.
فأملنا كله موعود في إمام زماننا "المهدي بن الحسن"" الثائر"، "المنقذ" "الناطق بالحق" الذي سيثأر لجده المصطفى ولأهل بيته الأطهار، في القريب العاجل في رجعة موعودة إن شاء الله "اِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعيدًا وَنَراهُ قَريبًا"(14).. " إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ"15.
اضافةتعليق
التعليقات