كانت ولازالت التربية منذ خلقة البشرية إلى يومنا هذا وحتى نهايتها هي الدور الأساسي الذي تقوم المرأة به في المجتمع، لما لها من تأثير عظيم في صناعة شخصية الانسان، فالأم هي بمثابة المصنع الذي يقوم بعملية صناعة الانسان وتقديمه إلى المجتمع، فالعائلة المتدينة من الصعب جدا أن تصنع انسانا منحرفا، والعائلة المنحرفة من الصعب أن تقدم للمجتمع انسانا متدينا، -ما عدى الحالات النادرة التي تتبع المجهود الشخصي في الهداية أو الانحراف-.
وغير ذلك فالعائلة بصورة عامة والأم بصورة خاصة مسؤولة عن توجهات أولادها وبناتها، وأغلب الطواغيت والمستبدين الذين مروا على التاريخ نستطيع أن نقول بأن عوائلهم مسؤولة عن الانسان الذي خلقته، فماذا ستصنع الأم الفاسقة كأم يزيد وأم مرجانة؟ بالتأكيد سيكون انسانا طاغيا وظالما وقاتلا لإمام زمانه!.
وفي المقابل كيف سيكون صنيع أمهات اللاتي يبدأنّ مرحلة تربية الطفل من لحظة انعقاد النطفة وتحصينه بالدعاء وقراءة القرآن والبقاء على الوضوء وغيرها من الأعمال التي لها تأثير عميق على الجنين حتى وهو في بطن أمه!
بالتأكيد ستصنع هذه الأم انسانا مليئا بالإيمان والتقوى يلامس جنس العلماء والفقهاء بورعه وعدله وتقواه.
وعندما نقول بأن التربية مهمة فإننا نتكلم عن منظومة كاملة، فالتأثير هو كتأُثير الفراشة، إذ إن تأثير شخص فاسد واحد فقط من الممكن أن يدمر مجتمع كامل، مثلما فعل صدام وغيره من الطواغيت.
فلو درسنا شخصية الانسان المستبد وراجعنا تاريخ حياته سنجد بأنه تعرض في حياته وبالأخص مرحلة الطفولة -التي تمثل المرحلة الأهم في حياة الانسان- إلى الاستبداد والتهميش فلربما امتلك أماً أو أبا مستبدين بالرأي، وعنيفين بالقرار!
وقد عاش مع عائلته وكأنه قطعة اضافية من الأثاث، فلا أحد يود أن يسمع كلامه، ولا أحد يطلب رأيه، وإذا حاول أن يعبر عما في داخله أمروه بالسكوت!
بالتأكيد عقدة التهميش لن تمر بسلام وبالتأكيد ستنفجر في المستقبل، إمّا ستنفجر في داخل الانسان فيصبح على أثره انسانا هامشيا وضعيف الشخصية وبلا تأثير في المجتمع، أو ستنفجر في خارج الانسان ويحاول أن يفرض نفسه رغما عن أنف الجميع فيقوم برفض آراء الناس وتهميش المجتمع ويستبد برأيه مثلما كان يفعل والديه معه!
والمصيبة الأكبر عندما يستلم هذين النموذجين مناصب مهمة في المجتمع فالأول سوف يفشل في اتخاذ القرارات المهمة، والثاني سيفرض نفسه ويستبد بآراءه على الجميع ومن الممكن أن يظلم الكثير من الذين يعملون لديه.
ومن أحد وجوه التربية التي ستضمن خلق انسان سمح وغير مستبد في المجتمع هي التربية الاستشارية إذ يقول أمير المؤمنين في أهمية الاستشارة:
"الاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استبد برأيه".
فالإنسان الذي يتربى منذ نعومة أظفاره على معنى الاستشارة ويلامس مفهومه الواقعي في حياته العائلية والاجتماعية بالتأكيد سيصبح عنصرا خيّرا في المجتمع وسيكون منصفا في الآراء والتصرفات، وسيلتجئ إلى الاخرين عندما يحتاج إلى المساعدة، ويشارك الآخرين آرائهم ويستمع إلى الناس ويفهم رغباتهم.
فبالتأكيد سيكون شخصا نافعا لنفسه ولمجتمعه ولو استلم منصبا مهما في المجتمع سيعكس المبادئ التي تربى عليها في صغره وسيكون انسانا عادلا وبارا بأهله وشعبه، بالتالي منفعة هذا الشخص ستشمل منظومة اجتماعية كاملة على عكس لو كان شخصا مستبدا فإن مضرته ستشمل المنظومة الاجتماعية كاملة.
وفي النهاية سنبين أبرز الطرق لتعزيز التربية الاستشارية في نفوس الأطفال وهي:
-عدم تهميش الطفل: والسماح له بالمشاركة في الحوارات العائلية لكونه فردا من أفراد العائلة وله كامل الأحقية في مشاركة الحديث.
-احترام شخصية الطفل: ومشاركته في القرارات الجماعية أو القرارات التي تخصه وأخذها بعين الاعتبار وفي حال الرأي أو القرار الذي عبر عنه كان خاطئا من الممكن التعديل عليه مع العائلة وشرح المساوئ حتى يصل الطفل إلى قناعة ورضا تام.
-فتح مساحة حوار مع الطفل: للتعبير عن آراءه الخاصة ورغباته الشخصية دون خوف أو قيود.
-استشارة الطفل في الأمور الاسرية: أو القرارات التي تخص العائلة، واطلاعه على كل المستجدات أو الظروف التي تمر بها العائلة أولاً بأول، فبدلا من منعه ونهره عن شراء لعبة غالية الثمن من الممكن التحدث مع الطفل بأن العائلة تمر بظرف مالي صعب ويجب مراعاة المصاريف، فالأم ستمتنع من شراء ثوب جديد، والأخت ستمتنع من شراء مصفف الشعر مراعاةً للظرف المالي ويشرح له كيف يجب أن يمتنع هو كذلك عن شراء حاجة جديدة تضامنا مع العائلة لكونه فردا منها، أو من الممكن أن تقول الأم لطفلها بلهجة بسيطة بأن: (يا حبيبي لن تتمكن من شراء ألعاب جديدة هذا الشهر لأننا كعائلة يحب أن نتكاتف مع بعضنا البعض ونساند والدك في محنته المالية)، ولكن يحدث هذا الحوار قبل خروجهم إلى السوق لأن هذا الحوار لن يكون مجديا والطفل يمسك اللعبة بيده، فالتفاهم مع الطفل واحترام كيانه هو أمر ضروري جدا في تكوين شخصيته السوية.
وبالتالي الطفل الذي يتغذى على المبادئ والقيم الصالحة سيكبر وينشأ تنشئة سليمة ويفيد نفسه وعائلته ومجتمعه، ويحقق الأهداف الإلهية التي خلق من أجلها وسيبادر إلى السلام والخير مهما زاد الشر في العالم، فالنطفة السليمة والتربية السليمة لن تخلق إلاّ انسانا إلهيا ورعا..
اضافةتعليق
التعليقات