في هذا العالم هناك أشياء غريبة تحدث قد تكون حياتك إحدى تلك الغرائب!.
كان كل شئ رتيباً ومملاً، المحاضرة الطلاب الأساتذة، الروتين هو الحاضر دائماً، أصحو في الصباح الباكر ألبس ثيابي على مضض ولا أستطيع مضغ جزء من إفطاري الملكي الذي كانت تعده أمي كل صباح..
لم يكن حلمي قسم اللغة الإنكليزية لكن والدي أصر على ذلك واعتبره أفضل من اختياري للغة العربية وأن مستقبله أجمل وأكمل وماذا أفعل لقلبي الذي يهفو عند سماعه لقصيدة بدر شاكر السياب أو القباني حتى في الجو المحرق وأنا في طريقي للجامعة كنت أردد:
الشمس أجمل في بلادي من سواها
والظلام حتى الظلام هناك أجمل فهو يحتضن العراق..
أبتسم للحظة عندما أتخيل نفسي محاطة بشرح ابن عقيل ومنهمكة في فك شفرات لغتنا الجميلة وسرعان ما أصحو على صوت إحداهن تدعوني لدخول محاضرة في مادة المسرح فأدخل على وجل وأرحل على ملل..
إلى أن رأيت ذلك الحلم كما ارتأيت أن أسميه، أخلاقه أول شيء دفعني وشدني إليه، حاول ذات مرة رددت: (أن لا شأن لي في أمور الحب فإن أردت فادخل البيوت من أبوابها).
أسبوعان مرت على كلماتي هذه وإذا بالباب تطرق وتأتي عائلة سالم كي يتقدم لخطبتي، لم تسعني الفرحة لقد كان جاداً ولم يكن لعوباً سيبتسم لي القدر وأخيراً..
رفضت أمي الخروج حتى نعرف التفاصيل ويتعرفون اكثر على العريس وأهله،
رضخت على مضض لم يدم جلوسهم سوى نصف ساعة خرجوا بصمت.
تسارعت نبضات قلبي عندما طرق أبي باب الغرفة كي يصدمني بأن عائلة سالم لا توالي علياً عليه السلام ولا تعتقد به كإمام، نزلت عبارته كصاعقة على رأسي استندت على كتف أبي الذي كان لي عوناً في الشدائد، أخذ يمشط شعري بأصابعه ويكلمني بنبرة حائرة: العائلة يا ابنتي جيدة وأخلاقهم عالية ولكن...
الأمر عائد إليكِ أنت من تقررين مع من تقضين حياتك.
علي هو فرحتي وهو من أتباهى به وعائلة سالم لا تواليه ولا تعترف به، حتى أطبقت عيني ونزلت دمعات حارة وكأنها تكوي ما حدث لي من جراح.
(سأرفض) خاطبت أبي قائلة...
عادت أيام الروتين والملل المزعج، حاولت أن أجمع ماتبقى من نفسي المتهالكة وأكمل مابقي من جامعتي كي أستطيع أن أتنفس خارجها..
حاولت أن لا تلتقي عينيَّ بعيني سالم وحاولت إخراجه من صندوق ذاكرتي كما كنت اعتقد إلى الأبد...
تخرجت ولم أكن فرحة بتخرجي كفرحي بأني لن أصل باب تلك الجامعة إلى الأبد...
بعد شهور عدة تقدم لخطبتي أحد أقربائي، لم يكن ينقصه شىء، بعد عقد قرآني بفترة وجيزة تزوجنا وانتقلت للعيش معه في داره الصغيرة..
في الحقيقة استطاع أحمد أن يضمد جراحي ويصلح ما أفسده الدهر مني كان عوناً وسنداً قبل أن يصبح زوجاً..
زين دنيتي حسن كان ثمرة حب واحترام وتقدير وجاءت بعده زينب وكانت فعلاً اسماً على مسمى، فرحتي برؤية أولادي يكبرون لا توصف وفخري بأخلاقهم التي زرعتها بدأت تنمو وتثمر، ابني حسن أصبح مهندساً وزينب تدرس الصيدلة.
جاءت زينب ذات يوم وخدودها محمرة من الخجل وفاتحتني بموضوع شخص يود التقدم لها وقد أرسل صديقتها كي تأخذ رأيها وقد يأتي اليوم أو غداً.
لم نكن نعرف مايخبئ لنا القدر، في يوم عيد الغدير قررت عائلة علي أن يأتوا لخطبة زينب، زينا البيت كعادتنا في يوم الغدير، رن جرس المنزل لقد أتى علي وأمه فقط!
رحبنا بهم رأيت في عيني أمه فرحة ممزوجة بحزن، قالت: يوم الغدير يعني لي الكثير لذا قررت أن أخطب لعلي في هذا اليوم كي يحضى بمباركة مولى المؤمنين ويحصل على خير الدنيا والآخرة..
حتماً استغربتم لماذا لم يأتِ أبا علي معنا ولكم كل الحق..
لقد رحل في مثل هذه الساعات، كنا نسكن في قرية من قرى الموصل قبل سنوات عدة ترك علي وأوصاني برعايته.. كنت أضع رأسه في حجري وأبكي بحرقة وألم لقد حزوا رأسه! لا لجرم سوى أنه يوالي علي عليه السلام!.
خيم الحزن على الجالسين، قصة مؤلمة حقاً أن نفقد من نحب في بداية الطريق ولكن فقد عن فقد يفرق فقد يرحل شخصاً ما ويترك خلفه قصة جميلة وتضحية تستحق الذكر.
تعاطفت كثيراً مع تلك المرأة وأثناء جلوسي وكلامي معها سمعت اسم والد علي،
تشابه الأسماء شيء اكيد ف سالم زميلي كان لا يوالي علياً وهذا قتل من أجله.
ولكن عندما ذكرت اسم ولدها الكامل تسمرت في مكاني هل يُعقل أن يكون هو سالم نفسه.
أخذني الفضول كي أعرف هل هو الأب الحقيقي أم مجرد تشابه اسماء، وقبل أن أسترسل بحديثي قصت على مسامعي قصة والد علي وكيف كان لا يعشق عليا عليه السلام وكيف اهتدى لمذهبه بعد أن بحث ونقب كثيراً وختم الله حياته بالشهادة.
نفس الشخص هو سالم، ياللقدر لقد كان رفضي له سبب لبداية رحلته في البحث عن الحقيقة ولقد وفق لها.
فلذة كبدي وجزء مني يُزفُّ اليوم في عيد الغدير لبيت سالم كي يصبح هذا اليوم مخلداً.
اضافةتعليق
التعليقات