وجهٌ موحش، يعترينا بأوج تزاحم الوجوه الحانية، يزاحمنا بعد ضحكاتنا، في احتفالاتنا، ليبدل نعيمها بدمار، اسمّيه بمشوّه اللذات، ذاك الذي يبدد جمالها و لا يأخذها، يجعلنا في صراعٍ معها ! وقف امام وجه اخي في ذلك اليوم الذي كنت أتناول غدائي الاخير معه، وجه اخي تَعِس و وجه الخوف سعيد، أحاول بأن ابعده، ان اقتلع ملامحه الصفراء عن اخي ولكن دون جدوى! ذعرت حينها، ماذا سيحدث يا رب؟ ماذا يخبئ خلف تعابيره الشامتة و لونه الشاحب!.
و ها قد رحل، من حَملته البطن الذي حملتني و رباه الحجر الذي دفأني، من تُطابق فصيلة دمه فصيلتي و تشبه نظرة عينه عينيّ، هاجر أخي دون وداع ! دون سابق إنذار، إجتذ معه جزءا من روحي و كسر أحد اضلاع قفصي الصدري ليودع قلبي في مهب الريح، هوت روحي من عتبات جسدي، هوت باردة و تكسرت بصقيعها، ليتها انسلخت منها و ماتت، لم يقيموا لهجرة اخي عزاءاً لي، ففي هذه الدنيا لا يقام العزاء الا على من تتوقف نبضاتهم، اما من تتقطع نياط قلوبهم في اليوم مئة مرة اثر الهموم فلا عزاء لهم ولا معزّي .
ذهبت لأمي علّها تواسيني، أجابتني بدموعها الحارة دون بنت شفة، فهل تُلام من ثَلُم ظلها الذي كانت تحتمي بكنفه، اخبرتهم جميعهم بحزني فلم يواسيني أحد، بل كان الجواب لا بأس سيكون حاله افضل من هذا العالم العربي !كيف؟ و من يدّعي ذلك، كيف سيكون حاله وحيدا في بلاد الصقيع والثلج، من سيهدئ ارتعاش روحه وحشةً في تلك الاقاصي البعيدة من الدنيا، كيف سيتعامل مع الأنيميا في دمه حين لا يتوفر له اللحم الحلال، هل ستفي حبوب الحديد؟! ليتهم صنعوا حبوب النسيان لي ايضا، هل سيأخذون منه ضرائب المشي في الشارع واستنشاق الهواء كما أصبح رسميا في بعض الدول العربية، من سيسمعه حين يقول " اخ" انا وحيد ..
هل سيحترمونه الكفار !ام لربما يعينونه على غربته كما قال لي، فالغرب اصبح مسلما اخلاقيا و كافرا دينيا و الشرق اعلن كفره الاخلاقي مع البشر وإن كانت جباههم تفحمت من شدة السجود ..
ألسنا أفضل أمة أُخرجت للناس؟!
لماذا اصبحنا نهرب من ديارنا اليهم بحثا عن أمانٍ و مرفأ و إستقرار جسدي و نفسي؟!
لماذا لم تعد اراضي الانبياء اوطاناً لنا!!
ولماذا أصبحنا نصنّف بجواز سفر يحط من شأننا او يرفعه ..
لا عزاء لتقطع نياط قلبي لا عزاء
فكم اخت مثلي تتلوى بحسرتها اثر هجرة اخيها
و كم ام صعقت بها برودة الرحيل و تلبدّت بأحزانها
كم حسرة للأوطان كابدها اولئك المهجّرون
يظن البعض أنهم في راحة بينما تعصف بهم عواصف الكآبة و الظنون و الوحشة و لواقح الفتن بكل يوم، لا اعول على الحياة فلا حياة فيها لمن ينادي !
ألوم قسوتك التي رحلت بها دون رحمة ..
ليتك اخبرتني حتى أجهز ضماد ضلعي المنكسر بفقدك،
ليتك بقيت معي بليلة هجرتك تلك لأرثي نفسي لأقول له يا "ليل طوّل ساعاتك"..
فلتحيطك هالة الحفظ من الرب، و ليكن الله في عون صوتي المبحوح،
الذي لا زلت اخنق اوتاره في كل مرة يصرخ فيها، مطلوب وطن يا ايها الناس ..
من يشتريلي وطن؟!
اضافةتعليق
التعليقات