بينما كانت منشغلة في عمل المنزل دخلت عليها ابنتها مسرعة وعلى وجهها علامات الخوف والهلع وتتلفت يمينا ويسارا، قالت لها مابك ياابنتي، أجابتها بنبرة خوف وتردد وبصوت مخنوق: لا لا شيء لا شيء ياأمي. وذهبت إلى غرفتها.
قررت الأم بعد اتمام عملها الذهاب إلى ابنتها وتسألها عن ارتباكها وخوفها ولكن انشغالها بأعمال المنزل وانهاء مسؤولياتها مع أولادها قد أنساها الذهاب إلى ابنتها.
وفي اليوم التالي طلبت من ابنتها الذهاب إلى الأسواق القريبة على المنزل لتبتاع منه بعض الحاجيات كما تفعل بعض الأحيان عندما تحتاج بعض المواد في الطبخ أو للمنزل وزوجها في عمله ولكن هذه المرة ابنتها رفضت الذهاب بصورة قاطعة فغضبت منها كثيرا وصرخت عليها وارغمتها على الذهاب.
لم تنتبه لماذا رفضت رغم أنها كانت في المرات الماضية تفرح عندما تطلب منها ذلك.
ظلت الطفلة فترة على هذا الحال كلما تطلب منها والدتها الذهاب ترفض الذهاب وفي نهاية المطاف تذهب مرغمة، وخلال هذه الفترة بدأت تظهر تغيرات سلوكية على الصغيرة ذات السبع أعوام، باتت هادئة ومنعزلة في غرفتها وقليلة الكلام، لاحظت والدتها هذا التغيير فظنت أن صغيرتها بدأت تكبر وتنضج وكانت سعيدة بهذا وبنفس الوقت ممتعضة من عنادها وتمردها في عدم تنفيذ أوامرها للخروج خارج البيت.
وفي أحد الأيام طلبت منها الذهاب لذات الأسواق القريبة على البيت لشراء بعض الاحتياجات وكعادتها الجديدة رفضت البنت ولكن دون جدوى فحكم الأم هو الساري خرجت وكانت نظراتها كأنها نظرات عتاب أو لوم.. كانت نظرات تحمل الكثير من المشاعر التي لم تفهمها الأم إلا بعد فوات الأوان.
انتظرت عودة ابنتها ولم تأتِ، مرت العشر دقائق والربع ساعة والنصف ساعة ولم تأتِ، هنا بدأت تقلق كثيرا، ارتدت عباءتها وحملت ابنها الصغير وخرجت للبحث عن أخته، عندما خرجت لم تجد أحدا في الشارع فقد كان الوقت للثالثة ظهرا.
تحول الخوف إلى هلع، خرجت مسرعة إلى الشارع المقابل لسؤال صاحب الأسواق عن ابنتها ولكن الأسواق كانت مقفلة ما أصابها بذهول وحيرة، بدأت تتحدث مع نفسها كالمجنونة وتطرق على جميع الأبواب للسؤال عن ابنتها ولكن دون جدوى جلست والدموع تنهمر من عيونها يظهر لها شكل ابنتها الملائكي ونظراتها الأخيرة بدأت تصرخ بأعلى صوتها أين ذهبتِ ياقرة عيني؟ خرج الجميع ليتجمهر حولها ويساعدوها.
مرت فترة طويلة ولم يظهر أي خبر عن ابنتها فقد اجتمع الجيران وجاء زوجها من عمله وأبلغوا الجهات المختصة للبحث عن ابنتهم، فجأة نادوا لقد وجدناها وعندما ركضت خلفهم لتقر عينها برؤية فلذة كبدها كانت هنا الصدمة الكبيرة وتمنت لو أنها لم تجدها كانت مرمية بدمها وقد فارقت الحياة بعد أن اغتصبت، كان المنظر رهيبا ومرعبا وبعيد عن الإنسانية وكان شعور الأم غريب، تصرخ تارة وتبكي تارة أخرى ولا تعرف ماذا تفعل فلا يعرف لوعة قلبها وصدمتها وحرقة دموعها سوى الأم.
للأسف بعد التحقيق عرفوا أن من فعل هذا بها هو صاحب الأسواق وقال أثناء التحقيق أنه بدأ استدراجها والتحرش بها منذ فترة بسيطة وكان يهددها إن أبلغت والديها بذلك سيقتلوها وقد عرفت الأم أن هذه المدة هي نفسها المدة التي تغيرت بها الفتاة. وهنا عرفت سبب تغير طفلتها ولكن بعد فوات الأوان.
لا ألوم الأم على حساب فئة في المجتمع بعيدة كل البعد عن الإنسانية وقليل في حقهم كلمة مرضى نفسيين.. أو كلمة مجرمين، هؤلاء فئة ليست من البشر ولا حتى من الحيوانات.. إنهم خارج نطاق الطبيعة وحوش على هيئة بشر، وهذه الوحوش باتت منتشرة جدا في المجتمع والقصص التي تتحدث عن هذه الحوادث هي أكبر دليل.
لذا أصبحت تربية الأطفال صعبة جدا وتحتاج إلى جهد كبير وتركيز عال مع كل تحركات الأطفال وتصرفاتهم وكل كلمة ينطقوها يجب أن يكون المربي أذكى من الطفل ويتابع معهم كل تغيراتهم حتى يستطيع الوقوف أمام موجات العواصف التي تعترضهم.
إن هذه المسؤولية تقع على عاتق الأم فهي الأقرب إلى أطفالها والمسؤولية الأكبر تقع على عاتقها، الشيء المهم الذي يجب أن تقدمه الأم إلى أولادها هي الثقة، بناء الثقة بأنفسهم من خلال تشجيعهم ومتابعتهم وبعدها جعل ثقتهم بوالديهم عالية من خلال مد جسور التواصل مع أبنائها وفتح باب الحوار معهم وتقبل آرائهم الصريحة ومعالجة أخطائهم بحكمة حتى لا يخافوا ومحوا شئ اسمه الخوف واستبداله بالإطمئنان والصراحة والتفاهم.
أيضاً يجب أن تخصص وقتا باليوم أو بالأسبوع للجلوس والحديث مع أولادها تكون جلسة مفتوحة للحوار بأمور عامة تبدأها بسؤالهم عن ماذا تودون الحديث اليوم ومن خلال هذه الجلسة ستكسب ثقة أطفالها وستنتبه إلى أشياء بسلوكياتهم ربما كانت غافلة عنها وتتحدث معهم عن المشاكل التي يتعرضون لها خلال يومهم وكيف يعالجوها لكي تحميهم من خطورة المجتمع ووحوشه المفترسة.
على الأبوين أن يحرصوا على أولادهم من خلال اختيار أصدقائهم ومتابعة خطواتهم بصورة دقيقة لكي ينشئوهم تنشئة إسلامية صحيحة، فأطفالكم أمانة في أعناقكم، انتبهوا على كل حركة منهم قبل فوات الأوان.
اضافةتعليق
التعليقات