إن من المعلوم أن الظن أو الشك من الحالات النفسية التي تطرأ على الإنسان بدون اختيار منه في أغلب الأحيان، بسبب منظر يشاهده أو كلمة يسمعها من شخص يظن أنه قد شتمه، أو يشك بالبضاعة التي في أيدي بعض الناس على أنها مسروقة نتيجة الاشاعات المغرضة... وهكذا فتراه من الصباح إلى المساء تقلبه الظنون يميناً وشمالاً....
فكيف يلزمنا القرآن الكريم بالاجتناب عن حالة نفسية (الظن أو الشك)، "اجتنبوا كثيراً من الظن" ونحن غير مسؤولين عن حصولها في النفس؟
في الواقع إن القرآن الكريم لم ولن يكلفنا بغير المقدور ولا يكلفنا بالمحال ولا بما لا يطيقون...
إذن كيف نمتثل أمر القرآن الكريم باجتناب الظن؟ نمتثل أمر القرآن الكريم وذلك بعدم ترتيب آثار الظن، وبعبارة أخرى هناك حالة نفسية تحصل فجأة وهناك أثر يتجسد في الواقع لهذه الحالة النفسية، أي ينعكس على سلوكه وكلامه وإشاراته وكتاباته و.... كأن يتهم الآخرين بالسرقة لا عن دليل بل عن الظن أو الشك الحاصل له أو يشير إليهم بإشارة سوء أو يُسَطر مقالاً في الصحف لا يتورع فيه عن تهمة الآخرين... فإن كنت معذوراً في الأمر اللا إختياري (حصول الظن في النفس)، لكنك غير معذور في الأمر الاختياري أي آثار الظن كترجمته إلى عمل وسلوك وكلام و ...
وبهذا الصدد يقول السيد الشيرازي: والمراد اجتناب آثار الظن، وإلا فإن الظن لا اختياري فإنه كالشك واليقين يقع في القلب.
ثم إن المقصود بالاجتناب عن الظن هو ظن السوء لا ظن الخير، فظنك بالآخرين خيراً فهو ممدوح ومندوب إليه، ويا ليت كل الناس ترتفع همتهم وأنفسهم إلى الحالة الايجابية فيظنون بالآخرين خيراً، فتقل حينئذ مشاكل الناس إلى أدنى حد ممكن....
قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "ثلاثة لا يسلم منها أحد: الطيرة، والحسد، والظن، فإذا تطيرت فامض، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تحقق".
وعلى هذا يكون معنى قوله تعالى: "اجتنبوا كثيراً من الظن" لا تعولوا عليه، ولا تعملوا به....
ولهذا يمكن القول أن الخلاصة في أمرين:
الأول: الاعتماد على العلم واليقين في تشخيص الأمور لأن العلم يكشف لك الواقع على حقيقته فلا تظلم الآخرين حينئذ، وسوء الظن والشك من ظلامية النفس الأمارة بالسوء تجاه الآخرين... يوجد المحذور الاجتماعي حيث الناس يكرهون كل من يظن بهم ظن السوء أشد كراهية والواقع خير شاهد ودليل...
الثاني: العمل بالظن الحسن تجاه الآخرين وعدم الاكتراث بالاشاعات السيئة والمغرضة....
اضافةتعليق
التعليقات