رفقًا بالقلوب فلا أحد يعلم ما يقبع بين طيات زواياها المنكوبة، فالجميع قد اهلكته المثابرة لإخفاء جرح أو انكسار وربما حطام، أَ وَ هل يوجد من يخلو قلبه من ألمٍ ما في حياتنا هذه التي أصبحت تعج بكل ضارٍ مُرهب وعجيب مُرعب يُولد الفقد اللامتناهي لكل ما يحيط بنا، إنسانيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وعلميًا وفكريًا ونفسيًا وصحيًا وغيرها، والموجع أيضًا وربما اكثر "لفظيًا" حيث بات الحديث والنقاش وحتى الخِطاب بين الناس لا يخلو من الاتهام والتجريح والقاء اللوم الذي لا يجدي نفعًا!.
يُعاني كل فرد اليوم من غياب الحِس الانساني، والتفكك الاجتماعي، والأزمات الاقتصادية، وتردي التعليم، وتضليل الفكر، والضغط النفسي، ومشاكل صحية مزمنة قد يعاني منها والتي بدورها تقلل من قدرته على المقاومة ومدى تحمله للمواجهة، ما يجعله يقف على شفا إنهيار في أيّةِ لحظة يتلقى فيها بعض كلمات جارحة أو سلبية تبعثه صوب اليأس والغضب والشعور بالظلم والاختناق، ليتمنى الهروب والموت وربما يقوم بذاك الفعل!.
نحن وفي هذا الآن نفيض حزنًا وغضبًا على ما أصابنا من كوارث وحروب وموت توالى لحصد أحبائنا، وما يحيق بنا سوى سور متين من الإحباط، ولا يوجد ما ينقلنا نحو بر الأمان غير بضع قوارب خالية من المجاديف، وبالمقابل رغم كل هذا نجد من يُلقي على مسامعنا كلمات وسطور تجتر بعضها وتثير الوجع والاستياء مما يزيد الطين بلّات، فهل هناك ما يجعلنا نقوى على الكفاح بعد؟!
إن للكلام وقع بالغ في النفس، واقبالك على قول ما في جعبتك دون ترتيب وتهذيب قد يؤدي لإندلاع خلافات غير مجدية انت والآخر في غنى عنها، ففي الغالب يمكن أن لا تكونوا مؤهلين لطرح موضوع حساس وتبادل الحديث وتقبله بلا رتوش إثر ما جرى ويجري علينا من مخالطات ومغالطات وتشويش حتى اللحظة، ولهذا اقتضى التنويه..
فعن رسول الرحمة محمد "ص" قال: الكلمة الطيبة صدقة. أستحلفكم بالله هل هناك ما هو أرفع من التصدق؟ كلكم عارف للجواب، إن الصدقة تدفع البلاء وهي فعل جميل يعود على فاعله بالخير ويشعره بالراحة والسعادة، ومن أسباب الانقطاع عنها، قد لايكون التصدق بمبلغ من المال أو تقديم المساعدة بأي شكل من الأشكال في متناول الجميع، وهذا ما ألَم به ديننا السمح السامي، حيث أوصل خالقنا رسالته عبر نبيه للنطق بها في هذا القول الكريم المكون من ثلاث كلمات، كثيرة في كفة المؤمن، كبيرة الفعل والمعنى.
وعليه، ريثما تجد أمامك شخصًا يتذمر، يتألم، يتكلم بقهر أو غضب، تصدق بكلماتك الطيبة إن لم تجد ما تعطيه، فهي الأعظم كونها ذُكرت على لسان خير الخلق، قل له هدِّئ من روعك واذكر الله وصلِ على نبيه وتحدث معه بلطف وسلاسة تقلل من حدية الموقف وتجعله يشعر بإهتمامك لأمره كأخ لكَ في الله، وقدم له المساعدة بطرحك بعض الحلول التي تحجم المشكلة الحاصلة إن استطعت، وطيب خاطره بقولك (أنا معك، أنا اشعر بك، مررت بهذا ذات مرة، أنا جاهز لتقديم المساعدة إن كنت بحاجة، سأدعو لك ولنتمسك بالدعاء، وغيرها الكثير من الكلمات المثلجة للصدر )..
هذا وعلى الخصوص لو قابلت مجموعة من الأشخاص المتضررين والساخطين على انفسهم وعلى غيرهم ولهم الحق في ذلك، لا تؤيدهم في كل ما يقولونه وتكن معهم مهاجما شرسا (على حس الطبل) "التمسكم عذرًا" تجعل من وتيرة الترهيب والاضطهاد تتصاعد، ولا تكن ضدهم فيهاجموك، انطق جميلًا أو تجمل بالسكوت فهو اضعف الايمان..
إنما لو كنت مؤهلًا لخوض الحديث، بادر بتغيير مسار النقاش تدريجيًا نحو جادة الايجابية واسعى لإضعاف الطاقة السلبية المنتشرة في محيطهم، وإنهي زوبعة الجدال المؤلم قدر المُستطاع، وإياك والانجراف معهم بالحديث مطولًا كي لا تفقد سيطرتك وتعود ادراجك متأثرًا، تنخرط معهم في نقاش عقيم، تتوسع من خلاله دائرة القلق والتشاؤم التي ستعود من حيث بدأت ولامخرج منها!.
قد تكون أنت أكثر المحتاجين لمن يربت على كتفك، فإجعل ما تعاني منه يُشعرك بمدى معاناة الآخر وكن له بلسمًا كما تحب أن يكون لك، ابتسم بوجه العابس وكن لطيفًا مع الغاضب وبُث الامل والتفاؤل في قلوب اليائسين ليذكروا الله (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، واعلم أن لك أجر ما عملت مضاعفًا من صدقات لا تكلفك سوى كلمات طيبة تجبر بها خاطر وتُفرح بها مهموم، وكما قال أحدهم: الكرم بالمشاعر والأخلاق أولى من الكرم بالمال، وَوجع الكلام الجارح أكبر ألمًا من الجوع، فإرفق بمشاعر الناس وقلوبهم وتصدق بكلماتك وأخلاقك..
اضافةتعليق
التعليقات