لنتمعن قليلا في حروف هذه الكلمة التي حوت عشرات المعاني بل الافها.. اسرة.. هل تراها من (الاسر) الذي يقيد الانسان في حدود معينة ضمن قضبان لا فرار له منها ، ام تراها من (السرور) الذي لا بد منه لنحيا في هذه الدنيا المغموسة بالنكبات ، ربما هي من (السر) الذي اذا جاوز اثنين شاع وذاع ، او انها من (السرير) الوافر الذي نلقي عليه أعباء النهار و نفضفض له ما جرى وما يجري لنعانقه بارتياح قبل نوم هانئ .
اسرة..كلمة تقع في الأذن كنغمة موسيقية عذبة تشعر الانسان بدفئها كموقد ايام الشتاء ، انها كلمة يسهل نطقها ويصعب تفسيرها فهي ليست مجموعة من البشر يعيشون تحت سقف واحد يتشاركون الطعام والشراب ويتجاذبون اطراف الحديث ، فعلى الرغم من اشتراكهم في دماء واحدة تسري في عروقهم فقط . الا ان للأسرة معنى عظيم يتجاوز هذه الأطر كلها ، فقد انطوت كل حروف المحبة والتآلف والتعاضد و الانسانية فيها.
ومن هذا المنطلق الواسع يسعى كل فرد ان يؤدي دوره على قدر استطاعته ويتفهم من حوله في هذا العش المقدس ، فالرجل قد اودعه الله سبحانه وتعالى تفكيرا صندوقيا اي انه لا يستطيع ان يفكر بشيئين مختلفين في الان ذاته فاذا كان يمسك بجريدة يقرؤها ، وقامت زوجته بالحديث معه فانه سيضطر لترك الجريدة ليركز معها والا لن يتمكن من الالمام بما يطرق سمعه من كلمات .
وهنا قد تنشأ المشكلة ، فالمرأة تبسط له مواضيع شتى في مختلف الامور ظانة انه سيستطيع استيعاب هذا الكم الهائل وهو يقرأ !! ، ويكسر ظنها عندما تسأله في نهاية الحوار ، لتكتشف ان معلومة واحدة لم تخترق طبلتي اذنيه ..فتبدأ المشاكل ورشق الآخر بتهمة عدم الاستماع وعدم الاهتمام ، فيجيب الرجل بكل بساطة الا ترين اني أقرأ !!.
في حين تمتلك المرأة تفكيرا حلزونيا يمكنها من السيطرة على عدة امور في نفس الوقت فهي تحرك الطعام في القدر وتشاهد التلفاز وتتحدث في الهاتف وتهدئ صغيرها في اللحظة ذاتها دون ان يشكل لها ذلك أدنى مشكلة ، وهذا اختلاف لا يفهم منه تفضيل المراة على الرجل بالذكاء او ما شابه ، بل هو اختلاف تركيبي ليقوم كل جنس بما عليه ضمن بيئته ، فالمراة تحتاج تفكيرها الحلزوني كونها المربية والمسؤولة المباشرة في البيت ، كما يحتاج الرجل تفكيره الصندوقي ليقوم باعمال مميزة تتطلب منه مزيدا من التركيز .
وليعم السلام أرجاء الاسرة على الطرفين ان يستوعبا هذا الاختلاف ليتمكنا من التواصل البناء ، وعلى الزوجة الذكية اختيار التوقيت المناسب للحوار مع زوجها بعد عودته من العمل لانه سيحتاج الى فترة بسيطة ليدخل في صندوق التفكير في البيت.
وهذا غيض من فيض من الاختلافات التي وضعها الباري في خلقه وكما يقال الاختلاف لا يفسد للود قضية ، فقد جعل الخالق سبحانه وتعالى مودة ورحمة بين الزوجين يمضيان بها في لجج المشاكل ليخرجا اكثر قوة وصلابة ، فعلى ساعدهما تبنى الامم والحضارات، و من ذلك البيت الصغير ينتج العباقرة والمفكرين والعلماء ..كل ذلك يتم بإذن الله بقوة الارادة في فهم الاخر وتقبل اختلافه .
اضافةتعليق
التعليقات