مكارم الأخلاق من لوازم الحياة الصحيحة على الأرض ومن لوازم الأمم التي تنشد الرفعة والطهارة، فأخذت الشرائع السماوية كمال الإنسان غاية لها وبدأ الأنبياء عليهم السلام بالإرشاد والتربية والتزكية لهذه النفوس الجامحة التي تميل بطبعها للراحة والدعة.
فورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "حُسنُ الخُلقِ مِن أفضَلِ القِسَمِ وأحْسَنِ الشِيَم".
فالخلق في اللغة والاصطلاح: حالة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال من خير أو شر من غير حاجة إلى فكر أو روية، ومجموعها أخلاق.
والخلق في الاصطلاح: (سلوك يسلكه الإنسان في ميدان الفضائل أو الرذائل ويصبغ صاحبه بالحسن أو القبح).
فالاتصاف بالخلق هو الدين أو من الدين وهذا ما أكده النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: "جاءَ رجُلٌ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم مِن بين يديه فقال: يا رسولَ الله، ما الدِين؟ فقالَ: حسن الخلق. ثُمَّ أتاهُ عن يَمينِهِ فقال: ما الدِّينُ؟ فقال: حُسنُ الخُلقِ. ثُمَّ أتاهُ مِن قِبَلِ شِمالِهِ فقال: ما الدِّينُ؟ فقال: حُسنُ الخُلقِ. ثُمَّ أتاهُ مِن وَرائهِ فقال: ما الدِّينُ؟ فالْتَفَتَ إلَيهِ وقالَ: أمَا تَفْقَهُ؟! الدِّينُ هُو أنْ لا تَغْضَبَ".
فلذا صار الخلق وعاءً ومكانا مناسبا للدين وهذا ما اتصف به النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذي أفاض الله تعالى عليه نعمة النبوة وحباه بالوحي دون غيره لخلقه الرفيع الذي وصل إلى درجة أن ينال مدح الله تعالى وثناء المولى على العبد بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
فمكارم الأخلاق في نظر أهل البيت عليهم السلام، هو التحلي بالمكارم، وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "جَعلَ اللهُ سُبحانَهُ مَكارِمَ الأخْلاقِ صِلَةً بَينَهُ وبَينَ عِبادِهِ، فحَسْبُ أحَدِكُم أنْ يَتَمسّكَ بخُلقٍ مُتَّصِلٍ باللهِ".
وكذلك عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "ثابِروا على اقْتِناءِ المَكارِمِ".
ولنيل هذه المكارم لابد من الاطلاع عليها ومعرفتها، فلقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام حديثان جمع فيهما أغلب مكارم الأخلاق وهما كما يلي:
قال: "إنّ اللهَ تباركَ وتعالى خَصَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم بمَكارِمِ الأخْلاقِ، فامْتَحِنوا أنفسَكُم؛ فإن كانتْ فِيكُم فاحْمَدوا اللهَ عزّ وجلّ وارغَبوا إلَيهِ في الزّيادَةِ مِنها. فذكَرَها عَشرَةٌ: اليَقينُ، والقَناعَةُ، والصَّبرُ، والشُّكرُ، والحِلْمُ، وحُسنُ الخُلقِ، والسَّخاءُ، والغَيرَةُ، والشَّجاعَةُ، والمُروءَةُ".
فالخجل من الله تعالى ومن الناس عند الإقدام على ما يخدش الحياء، كالعفو عن الظالم، ومواساة الرجل أخاه في ماله، وذكر الله تعالى كثيرا..
فهناك علاقة بين الخلق الحسن والعقل، وبين الخلق السيئ والجهل فإذا كانت صورة المؤمن جميلة فليحافظ على جمالها بحسن الخلق، وكما ورد ذلك في سفينة البحار عن جرير بن عبد الله قال: قالَ لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّكَ امْرءٌ قَد أحْسَنَ اللهُ خَلْقَكَ فأحْسِنْ خُلقَكَ".
فإذا أردت لميزانك أن يكون ثقيلا يوم توضع الموازين عليك بالتحلي بالخلق الحسن، وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: "ما مِن شَيءٍ أثقَلُ ما يُوضَعُ في المِيزانِ مِن خُلقٍ حَسنٍ".
فحسن الخلق ومكارمه في نظر أهل البيت عليهم السلام فكان كلاما يسر العقول ويشنف الأسماع، ويقوي القلوب، ويبعث على التنافس في المكارم، فحسن الخلق طيب يتعطر به المؤمنون، وتاج يتزين به العقلاء.
وأما سوء الخلق.. فمرض يصيب الجاهلين، ودناءة للنفوس، وتسافل في الدرجات، وفساد للعمل الصالح، ومانع للخير، وحاجب عن التوبة، وغم لا ينجلي، وهم لا ينكشف، وعذاب لا يزول إلا بزوال صاحبه، وبعد عن الله تعالى.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أُخبِرُكُم بأبعَدِكُم مِنّي شَبَهاً؟ قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ، قال: الفاحِشُ المُتَفَحِّشُ البَذيءُ، البَخيلُ، المُخْتالُ، الحَقودُ، الحَسودُ، القاسِي القَلبَ، البَعيدُ مِن كُلِّ خَيرٍ يُرجى، غَيرُ المَأمونِ مِن كُلِّ شَرٍّ يُتَّقى".
لذا علينا أن نعلو ونتقدم بأخلاقنا ونتخلق بأخلاق من نقتدي فيهم وهم أهل البيت عليهم السلام ونبتعد عن الاثار السيئة، ونعمل للتقدم ولنسير بخطواتنا خلفهم.
فحين اقتدينا فيهم ذلك لنتعلم منهم، فليكونوا لنا قدوة، ولننهج بمنهاجهم صلوات الله عليهم اجمعين باطمئنان تتحلى به القلوب، وأنس يأنس به الأصحاب.
اضافةتعليق
التعليقات