أمضى روبرت بلومين، عالم الوراثة في جامعة كينغز كوليدج لندن، مسيرته المهنية في تحفيز إسهامات الحمض النووي والعوامل البيئية في تشكيل سمات بشرية لا حصر لها، بدءاً من وزن الجسم وصولاً إلى طبيعة الشخصية والنجاح الأكاديمي.
البيئة لها تأثير رئيسي على كل جانب من جوانب حياتنا، لكن بلومين يرى أنَّ الجينات لها دور أكثر أهمية وقابل للقياس، إلى الحد الذي يقل معه أهمية عمليتي التربية والتعليم المعتادتين.
في هذا التقرير يوضح بلومين نظريته المثيرة للجدل حول تربية الأطفال، وفقاً لحوار أجرته معه مجلة NewScientist.
يقول بلومين إن الأمر كله مرتبط بالجينات، سواء كان في تحديد الجسم، أو الهيئة، وحتى القدرات المعرفية، لا توجد دراسات عدة حول الشخصية، لكنَّنا نعلم أنَّ التوائم المتماثلة التي تُربى منفصلة متشابهة في الشخصية مثل التوائم المتماثلة التي تُربَّى معاً.
درس روبرت التوائم المتماثلة التي كبرت بعيداً عن بعضها، ووجد كيف أنَّهم متشابهون للغاية في أشياء مثل الطريقة التي يضحكون بها أو يتحدثون بها.
أظهرت دراسات على التَّؤَائمُ والمتبنّين أنَّ حوالي نصف الفروق بين الأشخاص في أي سمة من سمات الشخصية، ترجع إلى اختلافات الحمض النووي، والنصف الآخر تعتمد على عوامل أخرى.
ولكن مهما كانت البيئة، فإنَّها تجعل طفلين من العائلة نفسها مختلفين في السمات مثلما هو الحال بالنسبة للأطفال من عائلتين مختلفتين. تأثيرات البيئة عشوائية، والآثار المترتبة على هذه النتائج هائلة.
إذا كانت طريقة تربية الآباء لنا لا تفرق في تشكيل الشخصية، فماذا إذن؟
حاول الأشخاص في هذا المجال جاهدين العثور على مصادر منتظمة للتأثيرات البيئية، لكننا لم ننجح في ذلك، يقول روبرت.
ويضيف «التأثيرات البيئية عشوائية بطبعها، وقد تتعلق بأحداث الصدفة، قد يكون مرضاً في وقت معين، مثل فيروس يؤثر على توصيلات الدماغ، أو لقاء مع شخص عزيز أو شخص أسدى لك نصيحة مهمة. يمكن أن يكون هذا المؤثر الحقيقي في التربية».
ما يربك الناس هو وجود علاقة بين التربية وشخصية الأطفال وسلوكياتهم. يُفترض دائماً أنَّ ذلك يرجع إلى البيئة التي تربّوا فيها: الآباء الذين يقرأون كثيراً لأطفالهم يجعلونهم أكثر ميلاً للقراءة.
لكن الآباء الذين يقرأون كثيراً، فإن ميلهم الوراثي للقراءة ينعكس على الأبناء، وعندما تقوم بدراسات على المتبنين ستجد أنَّ قراءة الوالدين ليست سبباً في نقل تلك العادة إلى الأبناء.
إذاً، ما الفائدة من تشجيع السلوك الجيد؟
يقول روبرت أنا لا أقول إنَّه لا يمكنك تغيير سلوك الأطفال، إذا كان ابنك يضرب ابنتك، يمكنك أن تقول: «هذا غير مسموح به»، ويمكنك إيقافه لكنَّك لا تستطيع تغيير شخصية الطفل.
ماذا عن حقيقة أنَّ الأشخاص الذين يتعرَّضون لمعاملة سيئة في مرحلة الطفولة يمكن أن يتأثروا بذلك بصورة دائمة؟
تناولت الدراسات مجموعةً من الفروق الشخصية، ربما تغطي 98% من الأشخاص، وفيها لم ندرس المؤثرات البيئية المتطرفة، مثل سوء المعاملة والإهمال الشديد، لأنَّ تلك الأسر ربما لن تشارك في الدراسات.
ومثلما هو الحال في كل العلوم، لا يمكننا التعميم خارج حدود العينة التي ندرسها، نحن نتحدث عن متوسط النتائج التي نتوصل إليها، ولكن قد يكون الأمر مختلفاً بالنسبة لأي فرد تعرض لتربية متطرفة.
ماذا عن المؤثرات المتطرفة في الاتجاه الآخر، مثل هؤلاء الآباء الذين يبذلون قصارى جهدهم لتحسين نتائج امتحانات أطفالهم؟
هذا هو المحذور الآخر: بعض المؤثرات الجديدة يمكن أن يكون لها تأثير أكبر، مثل الأمهات الصارمات اللواتي يكرّسن حياتهن لحمل أطفالهم على العزف على الكمان، لكن لا يمكنك أن تفترض أنَّ تلك الأمهات يُحدثن فرقاً، لأنَّ الأمهات اللائي يشعرن بالقلق الشديد بشأن ما ينجزه أبنائهن ربما يكون لديهن أطفال يحتمل وراثياً أنَّهم يحققون إنجازاً على أي حال.
ثم ماذا إذا كان هؤلاء الأطفال سوف يحققون نفس الإنجاز دون تعرضهم لهذا النوع من الضغط،
لا يوجد جدوى من محاولة العمل على تحسين أداء طفلك في المدرسة؟
على الإطلاق كوننا آباءً فعلينا أن نحاول جعل الحياة المدرسية، وكذلك الحياة الأسرية لطيفة للأطفال. إذا لم يؤد الأطفال واجباتهم المدرسية فسيواجهون مشكلة في المدرسة، وإذا كان طفلك يواجه مشكلة مع أطفال آخرين، فسوف تريد مساعدته، لكنك لن تغير بالضرورة قدرته على التعلم أو قدرته على التواصل الاجتماعي أو تغيير خجله وهذا فرق مهم.
ماذا عن تأثير البيئة المدرسية؟ نعلم أنَّ الذهاب إلى مدرسة خاصة يساعد في الالتحاق بجامعة جيدة؟
السبب الرئيسي وراء تحسن أداء الأطفال في المدارس الخاصة والمدارس النحوية هو ميلهم الوراثي إلى الحصول على نتائج جيدة في الامتحانات، هؤلاء الأطفال كانوا سيُحقِّقون النتائج نفسها، مهما كانت المدرسة التي يذهبون إليها.
ألا ينبغي لنا أن نحاول تقليص الفوارق بين المدارس الخاصة والمدارس الحكومية؟
كنتُ أود ألا يكون لدينا أي مدارس مستقلة، وأن تكون لدينا مدارس جيدة للجميع، ولكن إذا كنت ستختار فيجب أن تأخذ مسألة الجينات في الاعتبار.
أفضل تنبؤ لنتائج الامتحانات هو النتيجة ذات الطابع الوراثي للإنجاز التعليمي، يمكننا اليوم أن نتوقع 15% من فروق درجات شهادة الثانوية العامة، باستخدام بيانات الحمض النووي وحده. الحمض النووي هو مُتنبئ محايد وغير متحيز.
قد يجد بعض الناس هذا الاحتمال مخيفاً؟
لا أعتقد أنَّه أمر مخيف للغاية، ستكون هناك دراسات وراثية أكثر تحديداً ستسمح لنا بالتنبؤ بالأطفال الذين من المحتمل أن يصابوا بمشكلة في القراءة. ومن ثم يمكننا أن نتدخل قبل أن يذهب الأطفال إلى المدرسة، بدلاً من الانتظار حتى تتضخم المشكلات، كما نفعل الآن. عن طريق الاختبارات الجينية.
ويبدو أن تربية الأطفال والاعتقادات المحيطة بها أمام طفرة ستحدث تغييرات في الطريقة التي يتعامل بها الآباء مع أبنائهم. حسب عربي بوست
اضافةتعليق
التعليقات