• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

قدح الزنبق السحري

زينب الاسدي / الخميس 20 آذار 2025 / حقوق / 860
شارك الموضوع :

بعد تلك الليلة لم يعد الرجل حامل الشوال الملثّم ولم يطرق بابهم أحد، غاب في رحم الأمنيات مثل طيف أثيري

أخذ يهرول متجاوزًا أزقّة الكوفة الرملية والضيّقة حيث خفّت أشعّة الشمس المحرقة بفضل الظلال التي تشكّلت من جدران البيوت المتلاصقة حتى وصل إلى بيته، كان أسامة صبيًّا لم يتجاوز الحادية عشر من العمر له عينان ثاقبتان تبثّان شررًا طفوليّا محببًا مليئًا بالشغب، تجاوز جرّة الخل الكبيرة في مدخل الدار وكاد أن يرتطم بها ثمّ دخل المطبخ وراح يبحث عن شيء ويبعثر كل ما يجد أمامه من أواني نحاسية، وخشبية، وملاعق، وطناجر، وقد أحدث صخبًا عاليًا سمعته زوجة أبيه فجاءت إليه مستغربة نصف غاضبة تعالج خيطًا انفرط من ثوبها وهي تقول: ما بك يا أسامة عن ماذا تبحث؟ 

أجابها وقد غمر رأسه في فجوة بالحائط أُعدّت لتصفيف الأواني:

- أريد قدحًا.. قدحًا جميلًا جدًّا، أحتاج إليه!

 نظرت إليه باستغراب وقطّبت حاجبيها ثمّ سألت: 

- قدح جميل؟! ماذا تفعل به؟

- أريده في حاجة مستعجلة

بحثت المرأة في الأقداح وأخرجت واحدًا خشبيًّا وناولته إيّاه، نظر إليه قليلًا ثم أرجعه معترضًا: 

- لا يا خالتي، أرجوك، أريد ذاك القدح الذي تقدّميه للضيوف المهمّين جدًّا والتي أهدتك إيّاه أم جدّتك، أين تخبّئيه؟ 

- ماذا؟ قدح ماء الزنبق السحري؟! لا أبدًا لن أعطيك إيّاه، اقضِ حاجتك بقدح آخر.

هرع الصبي كالمجنون يقبّل يديها وقدميها وهو يتوسّل بالمرأة، ولمّا لم تُجدِ توسّلاته نفعًا جرى إلى غرفته وجلب من صندوق خشبي قديم كيسًا صوفيًّا محاكًا بإتقان ألقاه عليها قائلًا: إنها قلادة أمّي، خذيها رهينة، حنّت له المرأة وقالت:

- لا عليك يا أسامة، خذه وحاول أن تُرجعه سالمًا في أسرع وقت.

أخذه الصبيّ مسرعًا وعدا نحو الحظيرة، كان القدح الأزرق رائعًا حقًّا، زادته نقوش الزنبق الوردي مظهرًا طبيعيًّا مفعمًا بالحياة حتى تكاد تشعر بعطرها أحيانًا، انحنى أسامة بجوار معزة تحوم حولها صغيرتاها وحاول أن يحلبها ، كانت جالسة ملصقة ضرعها بالأرض فلا يمكن الوصول إليها بسهولة، أخذ يحاول مرارًا حتى قامت من مكانها، ولكن ثغاء الصغيرتين أصابها بالتوتّر ممّا زاد في حركتها وذهاب اللبن من ضرعها بسبب الخوف، بعد لأي استطاع أن يحلب مقدار وجبة واحدة، أخذ الحليب بعناية وسكبه في القدح الذي كانت زوجة أبيه تسميه ب (الزنبق السحري) ثمّ خرج من الحظيرة وقفل راجعًا في نفس الطريق متجاوزًا الأزقّة الملتوية المليئة بالظل، كانت خطواته غير منتظمة بطيئة أحيانًا وسريعة أخرى، يحاول أن ينظر بعينيه الواسعتين إلى الحليب المتحرّك داخل القدح حتى لا ينسكب منه وإذا به فجأة يرتطم بقدح آخر مملوء بالحليب يحمله صديقه معاذ الذي كان يعدو هو الآخر، نظرا إلى بعضيهما بخيبة تعلو ملامحهما فقد انفطر القدح وبدأ الحليب يتقاطر منه شيئًا فشيئًا، صاح معاذ بصوته المتنمّر:

- اضغط بإصبعك على مكان الفطر وامشِ بسرعة كدنا نصل ... حثّا الخطى حتى وصلا إلى بيت أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كان قد تعرّف على طريق البيت عندما تكرّرت زيارات رجل لهم في الليالي المدلهمّة، كان يطرق الباب ملثّما يضع شوالًا مليئًا بالحبوب والطحين وشيئًا من التمر ثمّ يمضي عائدًا، لم ترق هذه الحركة لأسامة المشاغب فقرّر أن يتعقّب هذا الرجل الغامض، ولم يَدَع الأمر حتى اكتشف دخوله إلى بيت علي (عليه السلام) هل يا ترى إنه عليّ؟ كيف فطن باحتياجهم وسوء أحوالهم؟ كيف لقائد الدولة الإسلاميّة بأطرافها المترامية والشاسعة أن يخصّص له ولأبيه المعدم وزوجة أبيه وقتًا يتفقّد به أحوالهم؟ ربّما لم يكن هو؟ لعلّه يرسل أحدًا آخر يسكن معهم في البيت، عبدٌ أو أجير أو جار أوكل إليه الأمر؟ كانت الأفكار تتقاطر في رأسه عندما وصلا وتفاجآ بطابور من الصبية والبنات من أيتام الكوفة يحملون أقداح الحليب ينتظرون خروج أحد من الدار، وقفا بانتظار من يسمح لهما بالدخول فقد كان الطبيب قد نعى عليًا إلى أهل الكوفة ولكنه رأى أن الحليب قد ينفعه قليلًا، احمرّ إصبع أسامة من الضغط، كانت قطرات الحليب تزدحم حول الفطر دون هوادة، ما هي إلا لحظات حتى خرج الحسن (عليه السلام) من باب الدار وقد علت وجهه صفرة تنذر بشتاء قادم، شكر الناس وطلب منهم الانصراف إلى بيوتهم فالطبيب منع التشرّف بلقاء علي (عليه السلام)، علت أصوات الالتماس من الحاضرين وهم يطلبون منه أخذ الحليب على الأقل، في هذه الأثناء طرقت فكرة منطقية رأس أسامة لربما لأوّل مرة في حياته المليئة بالفوضى: ترى هل سيأخذ الحسن (عليه السلام) قدحي من بين كل هذه الأقداح الممدودة إليه؟ رفع رأسه وإذا بعيني الإمام قد تسمّرتا نحوه ينظر إليه بنظرة غريبة اخترقت صفوف الواقفين، وكأنّ الزمن توقّف إجلالًا لهيبة اللحظة، في هذه الأثناء علت أصوات الضجيج من داخل الدار فقد أعلن الناعي وفاة علي (عليه السلام).

كان الوجوم يكسو الوجوه، ضجّ الناس وأصبحوا في هرج ومرج تتّسع عيونهم الذاهلة وتتقاطع فيها الدموع مع نظرات الإنكار من هول الفقد، انطلق النحيب كأمواج متلاطمة، اشتدّ الزحام والتدافع من كل حدب وصوب وفجأة ارتطم أحدهم بأسامة فسقط من يده قدح الزنبق السحري وتناثر إلى أشلاء متبعثرًا بين الأقدام الراكضة ..

بعد تلك الليلة لم يعد الرجل حامل الشوال الملثّم ولم يطرق بابهم أحد، غاب في رحم الأمنيات مثل طيف أثيري، ظهر في خرق من جدار الزمن الأجدب ليحمل الغيم والمطر ثمّ يغيّبه الشتاء ..

الامام علي
قصة
الحب
الايتام
العاطفة
الطفل
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    للكلمةِ مضمونٌ في حديثِ أميرِ المؤمنين

    النجاح الصامت.. حين تكتب المرأة قصتها بالحبر الخفي

    رحلة في عالم أحلام الأخطبوط: هل تحلم الكائنات البحرية؟

    مفاتيح طول عمر المرأة.. هكذا تعيشين حياة أكثر صحة

    إشراقة السيدة الزهراء .. معجزة الشمس الخالدة

    تجاوز سطح الخلاف: كيف يختبئ الاتفاق خلف سوء الفهم؟

    آخر القراءات

    الترند الجديد "لابوبو".. صدفة أم واحدة من أنجح حملات التسويق في 2025؟

    النشر : الخميس 05 حزيران 2025
    اخر قراءة : منذ 34 ثانية

    آية وإضاءة مهدوية: مفاتيح معرفية من فتية أصحاب الكهف

    النشر : الأربعاء 25 آيار 2022
    اخر قراءة : منذ 50 ثانية

    قراءة في كتاب: رسائل من القرآن

    النشر : السبت 16 كانون الأول 2023
    اخر قراءة : منذ 51 ثانية

    الشعائر: تظاهرة ثقافية وإصلاحية عالمية

    النشر : الأثنين 29 تموز 2024
    اخر قراءة : منذ 52 ثانية

    مفاتيح طول عمر المرأة.. هكذا تعيشين حياة أكثر صحة

    النشر : منذ 59 دقيقة
    اخر قراءة : منذ 57 ثانية

    رحلة في عالم أحلام الأخطبوط: هل تحلم الكائنات البحرية؟

    النشر : منذ 55 دقيقة
    اخر قراءة : منذ 57 ثانية

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    من درر شيخ الأئمة: "أن تنجو بنفسك… هو أرقى رد"

    • 554 مشاهدات

    تجاوز سطح الخلاف: كيف يختبئ الاتفاق خلف سوء الفهم؟

    • 484 مشاهدات

    الحشمة المهدورة خلف ستار القرابة

    • 427 مشاهدات

    محاولة الانتقال إلى الأفضل..

    • 378 مشاهدات

    المرايا المشوّهة: كيف نصنع انعكاساً أوضح لأنفسنا؟

    • 354 مشاهدات

    دخلاء العلاج الطبيعي.. بين وهم المعرفة وخطورة الممارسة العشوائية

    • 319 مشاهدات

    بحر الزائرين: ذكرى استشهاد الإمام العسكري تعيد رسم خريطة الولاء في سامراء

    • 1202 مشاهدات

    الشورى: وعي ومسؤولية لبناء مجتمع متكامل.. ورشة لجمعية المودة والازدهار

    • 1167 مشاهدات

    الإمام الحسن العسكري: التمهيد الهادئ لعصر الغيبة

    • 1106 مشاهدات

    العباءة الزينبية: رمز الهوية والعفاف في كربلاء

    • 1087 مشاهدات

    اللغة الإنجليزية عقدة الجيل: لماذا نفشل في تعلمها رغم كثرة الفرص؟

    • 1069 مشاهدات

    مشاعرُ خادم

    • 679 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    للكلمةِ مضمونٌ في حديثِ أميرِ المؤمنين
    • منذ 49 دقيقة
    النجاح الصامت.. حين تكتب المرأة قصتها بالحبر الخفي
    • منذ 52 دقيقة
    رحلة في عالم أحلام الأخطبوط: هل تحلم الكائنات البحرية؟
    • منذ 55 دقيقة
    مفاتيح طول عمر المرأة.. هكذا تعيشين حياة أكثر صحة
    • منذ 59 دقيقة

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة