لكل مسلم عيدين -كما هو شائع-عيد الفطر إذ يسعد به كل من صامت فيه جوارحه وجوانحه، وعيد أضحى يسعد فيه كل من تشرف في قصد حج بيت الله الأعظم ببدنه ومن عاش مشاعر الحجاج وقصد رب البيت بقلبه، وهي أعياد للمؤمنين أيضاً إذ الإيمان أعلى من الاسلام كما هو معروف- إلا إن من لأهل الايمان عيد أخر وهو عيد الغدير بل هو "عيد الله الاكبر"، فهو ليس عيد لشهر محدود بفترة زمنية ومناسك وطاعات وقتية كما في عيد الفطر، وليس كعيد الاضحى الذي يأتي بعد أن يحج العبد الى ربه، إذ - كما يبدو- نستطيع أن نقول إن عيدي الفطر والأضحى أتيا كهدية لمقدمات يحتاجها العبد كمحطة للتزود وتهذيب النفس والتنفيس عن الروح، وتقوية الإرادة وبناء الذات.
أما عيد الله الأكبر فهو لا يرتبط بزمان ولا مكان، بل هو عيد لمن يعيش حقيقة الغدير في كل آن؛ فهو النتيجة التي تُستحصل من تلك المقدمات، فهذا العيد هو عيد الثبات والاستقامة على نهج الله المتمثل بالولاية واتباع الامام الحق المنصب من قبل الله سبحانه.
ولذا قلنا إنه عيد المؤمن، فالإيمان كما قال الأمير (عليه السلام): سألت النبي (صلى الله عليه وآله) عن الايمان فقال: "تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان"(١)، فهو عيد لمن دخل الايمان قلبه، والشكر بنعمة الولاية لأولياء الله باللسان والقلب وبالعمل قد أجهد نفسه، فالكثير من كان شاهداً وعالم بعظم هذه النعمة إلا أنه لم ينتفع منها، فهي كانت نعمة ثقيلة على نفوسهم فجحدوها، لم تتسع لها صدورهم فكفروا بها مع يقينهم بأنها الحق ومن الحق!، لذا كانوا مصداق لقوله تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا)[النمل :14].
كما نرى الكثيرين يجحدون بنعمة الشهر الفضيل وموسم الحج الجليل فلا يرتبون أثر على علمهم بقدرهما فلا ينتفعون منهما، فهكذا مقدمات تعطي هكذا نتائج بلا شك، فالذي لا يشكر النعم الصغرى والوقتية ولا ينتفع من وجودها كيف سيكون شكره لنعمة بها تمت كل نعمة؟!
فعيد الغدير كان مرآة كاشفة لحقيقة دعاوى كل من أقر بالوحدانية لله تعالى وبنبوة الخاتم (صلى الله عليه وآله) فوحدهم -وهم ثلة القلة- من كانوا من أهل الثبات والبصيرة، فثبتوا واتبعوا ما أنزل على الرسول الله (صلى الله عليه وآله) لما قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه،..."(٢)، فكانوا مصداق لقوله تعالى: (وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)[لقمان: 22]، فصاحب البصيرة لا يعمى، والمتوجه بقلبه لربه لا يتيه، وإن ضل وتاه الجميع، فكيف بنور الحق كما قال إمامنا الصادق (عليه السلام): "والله لأمرنا أبين من هذه الشمس".(٣)
والغدير هو بوصلة النور التي تنير للإنسان طريقه، فالدنيا بلا حجة إلهية ظُلمة لا نور فيها، فعن جابر بن عبد الله قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله: "أول شيء خلق الله تعالى ما هو؟ فقال: نور نبيك يا جابر، خلقه الله ثم خلق منه كل خير"(٤)، فمصدر كل نور تعالى جعل واسطة ايجاده وبقائه واستمراره هو نور النبي، فرحيل النبي يوجب وجود من يديم هذه الواسطة التي تفيض على الوجود بالنور وما يؤكد أن الامام هو الواسطة هو ورد على لسان النبي (صلى الله عليه وآله) إذ قال:" كنت أنا وعلي بن أبي طالب نوراً بين الله تعالى قبل أن يخلق آدم بأربعة آلاف عام، فلما خلق آدم قسم ذلك النور جزئيين: فجزء أنا وجزء علي"(٥)، إذاً فمن لم يكن يستمد نوره من الولاية للإمام علي (عليه السلام) فما له من نور، ومن اتبعه كان مصداق لقوله تعالى: (وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ...) [الأنعام :122].
والغدير هو حصانة فكرية وعملية لكل متقي مؤمن، فلابد للمتقين من إمام، إذ التقوى بمعنى الرقابة أي استشعار احاطة الله تعالى وحضوره معنا، والوقاية أي استشعار رقابة الله تعالى علينا، بالنتيجة هذان يولدان تحصين للفرد، ولكن كما قال إمامنا الرضا(عليه السلام) عن أباءه عن أمير المؤمنين(عليه السلام): سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: "سمعت جبرئيل (عليه السلام) يقول: سمعت الله عز وجل يقول: لا إله إلا الله حصني، فمن دخل حصني أمن (من) عذابي، ثم قال(عليه السلام): بشروطها وأنا من شروطها"(٦)، إذا فالمتقي لا يبلغ الحصانة من دون الدخول في الحصن، ودرع الله الحصين الذي من دخله حُفظ، لا يتحقق إلا بالإتمام بإمام المتقين.
والغدير هو الكهف الآمن الذي من دخله أمِن وسلم ونجى، فالإمامة هي كهف ولكن لا يبقى فيه إلا من علم بخطر الخروج منه، وعلم أنه لا يصبر على المكوث فيه إذ لم يكن فيه ما يستوجب بقاءه فيه أي من ناحيته هو فهذا الكهف لا يطرد أحد وهو مفتوح للجميع، لكن قد يخرج منه بإرادته بعض من يدخله إذا لم يُوجد في نفسه كامل الاهلية للبقاء فيه.
الغدير هو الصراط المستقيم الذي يجعل المؤمن على النهج الالهي القويم، فالأنسان لا يمكن أن يسير من دون علامة تهديه لمقصده لكي يصل لوجهته، ولا يمكن أن يصل من دون دليل يَعرف الطريق بكل تفاصيله ليأخذ بيده وهو مطمئن أنه سيوصله لما يريد، فهذه العلامة الهادية هي الامام المجعول من قبل الله كما قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا...) [السجدة: 24]، فالآية تقول أولاً إن الامام الهادي لابد أن يكون مجعول من قبل الله تعالى، وثانياً يعرف أوامر الله تعالى أي لديه علم كامل أي معصوم بالعصمة التامة.
وأخيراً: عيد الغدير هو الفيصل الذي يحدد به مصير كل فرد فمن أقر بما نزل بذلك اليوم هو الناجي يوم يُسأل كل فرد عن إمامه الذي اتخذه في الدنيا له إماما، كما قال تعالى: (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) [الإسراء :71] فأنظر أيها المسلم بمن تآتم؟ هل بلغت درجة الايمان بمعرفة إمامك صاحب العصر والزمان المجعول من قبل الله أم بماذا ستجيب في ملتقى الختام؟.
------------
اضافةتعليق
التعليقات