على مركب الحياة نمخر عباب البحر وعلى قدر قوة وحكمة من يقف وراء دفّة السفينة سنرسو إلى الشاطئ بنجاح أو سنغرق بمن معنا ونضيع بين أمواج المحيط وعواصفه العاتية..
كما يُقال: إنَّ أي شخص يمتلك القدرة على القيادة عندما يكون البحر هادئاً!، وكما تُعرف الأشياء بأمثالها؛ تُعرف بأضدادها، وهذا مانراه جليّاً في عصر العولمة والثورات التكنولوجية وما تسببه تبعاتها من طمس للهوية وضياع الشباب والتبعية والتقليد الأعمى لقوالب حياة مزيّفة وسطحية، ولايتأتى هذا إلا بعد غياب البوصلة فيتيه المجتمع وتندثر قيمه ويعود القهقري أمام بقية الأمم المتسابقة إلى المجد..
بلا شك السبيل إلى تدارك مافات والمضي إلى مدارج الكمال هو إعادة التحكم بالقيادة، فلكي نبني قادة المستقبل، ونحوّلهم من أتباع ومنصاعين إلى أصحاب قرار وإرادة، حري بنا أن نتعلّم استراتيجيات هذا الفن المهم.
قبل كل شيء علينا أن نعلم أن القائد صناعة مثلها مثل صناعة الناجح والمبدع والمتميّز....
فهذه الهمّة تنقدح في نفس الطفل وتغدو من مكونات شخصيته الأساسية بعد أن يزرعها الأبوان في صفحة قلبه البيضاء، فالدراسات تقول أن مايقارب نسبة 90% من شخصية الطفل تتشكل في السنوات السبع الأولى، وما أحوجنا اليوم إلى معرفة مفاهيم وأسس هذه السمة والميزة المحورية للمجتمعات المتطورة بعد أن عبثت الأجهزة الذكية بعقول أبنائنا أمام إهمال الأهل وتجاهلهم.. فالامام الحسن (ع) يقول لبنيه: إنكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار آخرين، فتعلموا العلم.
فهناك مجموعة من العوامل يساهم الأبوان ولاسيما الأم في غرسها في نفس الطفل التي تتقبّل تربته كل البذور، فعلى المربي أن يعرف أنَّ القيادة صفة مكتسبة وليست وراثية في الأعم الأغلب، وعليه، إنْ زرعها بحب واهتمام وهيأ الأرضية قبل ذلك وسقاها بنبعٍ صاف وتعرّضت لضوءٍ كاف ستغدو بذلك شجرة طيبة يرفل بظلالها الجميع وتعيش بين أغصانها وفي حماها طيور كادت أن تقع بين مخالب النسور!.
في البدء، إنَّ أي مبدأ أو سلوك إذا أُريد أن يكون قائما في أعماق كل طفل، لابد أن يكون هناك مثال يُحتذى به، لأنّ التوجيهات تبقى نظريات لاقيمة لها إن لم تُطبق عملياً، فعلى الآباء أن يقدموا قدوات لقادة من التاريخ والواقع، يكونون نبراساً يضيء دربهم، ومن كنبينا محمد (ص) وأهل بيته الأطهار!، الذين هم قادة الأمم وساسة العباد، ومن يريد خير الدنيا والآخرة فليقتفي آثارهم..
هذه واحدة، وأخرى، على الأب أن يكون قدوة أخرى في طريق أبنائه وكذلك الأم، "فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، فعندما يكون الرجل ذو شخصية حكيمة وصاحب قرار وعندما تكون الأم قويّة النفس وتأخذ بزمام الأمور، بذلك ستتشابه شخصية الطفل شخصية المربين وسيحاكي طباعهم وتوجهاتهم وسيصنعون منه نتيجة ذلك قدوة مُثلى لبقية أقرانه.
ومن أهم صفات القائد هي الثقة بالنفس وبقدراتها، فعلى الآباء أن يزرعوا هذا الشعور بجدية وحذر، ويدعون طفلهم يعتمد على نفسه.
ولاننسى أنَّ الفرق الشاسع بين التابع والقائد، هي المبادرة وتحمل المسؤولية والشجاعة فالقائد يخطو ويتحرك ويفكر ويُقدِم ويخاطر بينما الآخرون ينتظرون الأوامر والظروف المواتية!.
والبعض يغالي في تنمية بعض الصفات فينتج الغرور، بالتأكيد ليس معنى القيادة أنْ تكون متحكماً، بل موّجها ومُساعدا في عمليات التجديف أثناء الأزمات.
وتبقى البركة الالهية والتوفيق التي هي بمثابة السقاية وتأتي بالدعاء والايمان والصبر، ولولاهم لما سار المركب بأمان..
وتلكم المبادئ خيوط ينسجها الأبوان بإحكام واتقان وتوازن ليغدوا أبناءهم خلفاء الله في الأرض وقادة المستقبل.
اضافةتعليق
التعليقات