يشعر الكثير من العاملين بأن رؤساءهم في العمل لا يفهمونهم بشكل صحيح، أو أنهم يهملونهم عن قصد، وذلك حين لا يتلقون أية ردة فعل على اقتراحاتهم ومبادراتهم، ولا يجدون أي صدى لها، وكذلك يمكن للرئيس المباشر أن لا يلحظ غياب العامل أو حضوره لذلك فإن العاملين الذين ينتابهم هذا الشعور لا بد سينغلقون على أنفسهم تجاه رؤسائهم، ويصبح من العسير فهم هؤلاء العاملين وإدراك أوضاعهم الإنسانية أيضاً. فالاهتمام بالمرء وإعطاؤه التقدير المناسب هو بحد ذاته اعتراف كبير بأدائه في عمله.
وقد عبر بوتو شتراوس Boto Strauss عن ذلك بكلمات واضحة تبعث على التفكير:
إنك تجري ولا ريب وراء الشخص الذي يهتم بك، ويدرك مشاعرك، ذلك الذي يحملك على محمل الجد. ما عدا ذلك لا ترى إلا نظرات ترمقك باستخفاف، ولمحات متقطعة من نظرات غير مباشرة. وعلى أية حال أن تحمل على محمل الجد يعني أنك تشعر بشعور من الإرتقاء اللطيف فوق ما كان يقع على شخصك من هزال مستمر وإفراغ وإنهاك.
إن تقديرك للناس العاملين في المؤسسة يعني أنك تتوجه نحو هؤلاء الناس وتشعرهم باهتمامك بهم. واللطف والاهتمام ورعاية علاقات الزمالة في الحياة اليومية العادية هي الطريق الصحيح لإظهار تقديرك للآخر على أفضل وجه.
يعتقد كثير من الناس في المؤسسة أن لهم حقاً في توجيه الاهتمام إليهم بغض النظر عن أدائهم العادي أو أي أداء خاص يُطلب منهم، وعلى اعتبار وجودهم فقط. وإذا توفر لهم هذا الشعور، فإنهم سيرفعون القناع عن وجوههم ويبدون على حقيقتهم.
وأود في هذا الموضوع أن أسرد مثالاً من خبرتي العملية. كنت لما أبلغ الثلاثين عاماً بعد، وكنت أدير متجراً كبيراً يضم حوالي مئة وخمسين عاملاً. كانت لدي صلات جيدة وثيقة مع الناس في مؤسستي هذه على الأقل من وجهة نظري، ولكني لا أريد أن أخفي حقيقة أن هذه العلاقة كانت أقوى وأجود مع العاملين الشباب منها مع العاملين المتقدمين في السن. وقد كان أحد رؤساء الأقسام لدي صعب المراس، ويشكل بالنسبة لي «لقمة جافة عسيرة الهضم. ولم أستطع أن أقيم أية علاقة إنسانية معه خارج علاقات العمل . لقد قبلني رئيساً له، وكان ينفذ توجيهاتي بكل دقة وأمانة، لكن لم تتكون علاقة خاصة بيننا. عمدت بعد ذلك إلى الاطلاع على إضبارته الشخصية، ووجدت أنه يعيش في زواج ثان وله صبي في السادسة من عمره، كان قد دخل المدرسة في تلك السنة.
احتفظت بهذه المعلومات في ذاكرتي واغتنمت الفرصة الأولى في لقاء عمل بيننا لأسأله بشكل مفاجئ عن ابنه وكيف يجد نفسه في المدرسة، وإن كان مسروراً بوجوده فيها، وأسئلة أخرى من السؤال هذا القبيل. بعد لحظة رد الفعل على هذا والاسلامي أخذ هذا العامل يروي لي، ولحوالي عشرين دقيقة، قصة ابنه في المدرسة وكم هو جيد ومدى السعادة التي يشعر بها تجاهه.
ومن ذلك اليوم نشأت بيننا علاقة مختلفة تماماً في تعاوننا لقد مر وقت طويل قبل أن أدرك السبب بوضوح: اهتممت به وبذلت جهدي لمعرفة حياته الشخصية، وباختصار فقد العملي، خصصته باهتمامي، وكان موضع عنايتي وتقديري، حينما يستطيع عنصر قيادي أن يخرج مافي دخيلة العامل ويظهره، يكون قد بلغ المستوى الذي يجعله قادراً على إجراء تقييم سليم وموضوعي.
كذلك يبدو الاهتمام والتقدير على شكل استماع لطيف للمرء، لأن محاولة إعلام الآخر بما تود لا يمكن أن تكون عملية ناجحة ما لم يبد هذا الآخر استعداداً للتقبل، إنك لا تنجح باكتساب معرفة الناس، ولا تجيد تعلم أسلوب هذا الاكتساب إلا إذا استطعت أن تمد جسور التفاهم الفعال مع الإنسان.
كثيرون يتكلمون عن مد جسور الاتصال والتفاهم، ولكن القليل من العناصر القيادية يحسن هذا التفاهم والاتصال مع العاملين، وغالباً مايختلط الأمر لدى هؤلاء بين التواصل والإعلام بالشيء. إن إعطاء المعلومات أو التعليمات بالتسلسل يمثل شارعاً وحيد الاتجاه، ولا يوجد إلا القليل من العوامل المشتركة بين هذه العملية وبين التواصل، إذ إن التواصل يعني في ما يعنيه أن تمارس الحوار والأحاديث المتبادلة.
نسمع أما التقييم أو التقدير فيلي عملية الإدراك الإنساني للإنسان العامل، وهو يتأثر إلى حد بعيد بخبرات ذاتية وشخصية. كثيراً ما أن بعض العناصر القيادية يضعون لتقييم العاملين معهم المقاييس نفسها التي يضعونها لأنفسهم. وهذا خطأ كبير بلا ريب لأنه لا يوجد أحد يماثل الآخر تماماً. وهذا التوجه أو المفهوم في التقييم يمكن أن يفسر على أن أسلوب العمل لدى من يقوم بعملية التقييم هو الأسلوب الوحيد الصحيح، وأنه المقياس لتحديد صحة ما عداه.
لقد قابلت هذا التصرف كثيراً لدى بعض العناصر القيادية، ولا أزال أقابله حتى اليوم. لقد اعترف لي أحد الزملاء أنه حاول أن يدرب عاملاً جديداً تدريباً جيداً، ويتيح له كل فرص التأهيل وكل غايته أن يرقى هذا العامل إلى مستواه. ولكنه لم ينجح في ذلك، ولم يجد تعبه نفعاً، فالعامل لم يستطع إدراك ذلك. ووجد أن لا بد له من تبديل هذا العامل.
لكن هذا الزميل مع الأسف لم يسأل نفسه في ما إذا كان ما يقوم به صحيحاً أم لا، كذلك لم يسأل نفسه في ما إذا كان عند هذا العامل الجديد تصور خاص به حول ما يريد أن يصبح أم لا. يجب أن يكون الهدف وراء ذلك كله يصب في نتيجة العمل وليس في نوعه وشكله. ونستطيع أن نصنف هذه الطريقة التي وضع بها هذا الزميل مقاييسه على أنها طريقة فيها الكثير من الغطرسة والتكبر.
اضافةتعليق
التعليقات