يحدث أحياناً أن تكون إنساناً مفعم بالطاقة الإيجابية ومزدحماً بالاحلام، ثم تهاجمك كومة من رذاذ شائك محملة بأصوات سلبية لمَ يتوجب عليك سماعها من اشخاص يحاولون اقناعك بأن في هذا الوقت كل شيء صعب المنال، مصرين أن يقلبوا مزاجك سريعا من حالة حماس وكد للعمل لتحقق ما تريد، إلى كسل لا يجعلك تتحرك خطوة واحدة للأمام، فهم جمدوا طاقتك الإيجابية وبثوا إليك سمومهم السلبية، تلك الاشارات زارتني بعز طموحاتي فسقط كل شيء داخلي كزجاج حاد الاطراف قيدني بجروح في اقدام روحي لأعجز عن التفكير حتى بالتقدم ولو خطوة وهذا ما يجعلني أستذكر قصة قصيرة مرت على مسامعي:
حيث يُحكى أن نسرا كان يعيش في إحدى الجبال ويضع عشه على قمة إحدى الأشجار، ثم حدث أن هز زلزال عنيف الأرض فسقطت بيضة من عش النسر وتدحرجت إلى أن استقرت في قن للدجاج، وظنت الدجاجات بأن عليها أن تحمي وتعتني ببيضة النسر هذه، وفي أحد الأيام فقست البيضة وخرج منها نسر صغير جميل، ولكن هذا النسر بدأ يتربى على أنه دجاجة، وأصبح يعرف أنه ليس إلا دجاجة، وفي أحد الأيام وفيما كان يلعب في ساحة قن الدجاج شاهد مجموعة من النسور تحلق عالياً في السماء، تمنى هذا النسر لو يستطيع التحليق عالياً مثل هؤلاء النسور لكنه قوبل بضحكات الاستهزاء من الدجاج قائلين له: ما أنت سوى دجاجة ولن تستطيع التحليق عالياً مثل النسور، وبعدها توقف النسر عن حلم التحليق في الأعاليً، وآلمه اليأس ولم يلبث أن مات بعد أن عاش حياة طويلة مثل الدجاج.
وفي هذا الصدد يقول خبير التنمية البشرية جيم رون: "أنت ملخص الأشخاص الخمسة الذين تقضي معهم معظم وقتك"، فهذا إشارة إلى أن تأثير هؤلاء السلبيين عليك كبير وأنهم كالعدوى قد ينقلون إليك مرضهم بسرعة، فيجعلونك تتخلى عن أفكارك الجميلة وتستبدلها بأفكارهم الهدامة.
منشأ التشاؤم والموقف الديني منه
ثمّة تفسيرات كثيرة ومبررات للتشاؤم فاحيانا يكون سمة من سمات الشخصية فالحالة الطبيعية للإنسان تقتضي توقع بعض النتائج، ولكن الكارثة حينما تحول هذا التوقع إلى سمة تغلب على الفرد فتجعله يتوقع الشر دائماً مهما كانت المؤشرات، وبما إن الكثير من حالات التشاؤم تدخل في دائرة الاختيار، إما مباشرة وإما من خلال التربية المعاكسة التي ولدت هذه الحالة، ومن هنا نجد أن كثير من التعاليم الإسلامية تدعوا إلى تربية الإنسان على ترك التشاؤم والعمل بالتفاؤل بأساليب متعددة وأشكال مختلفة، منها:
1- الثقة وحُسن الظن بالله: يدعو الإسلام الإنسان إلى تعميق ثقته بالله وحُسن الظنّ به بأشكال مختلفة، تبعاً للصفات التي يتّصف بها سبحانه وتعالى فهو سيختار الأفضل للإنسان على الدوام ففي القرآن الكريم، يتوعد الله المنافقين والمشركين بالعذاب الشديد، ثمّ يذكر ظنّ السوء بالله تعالى كسمة من سماتهم فيقول: ﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾.
2- مفهوم البلاء: ربّى الإسلام المؤمنين على النظر إلى منغّصات الحياة التي لا بد منها، بعين تسعى إلى الكشف عما وراء آلامها ومآسيها، حيث ذكر تعالى : ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾، ومن الطبيعي أن وقع هذه الأحداث المؤلمة على الإنسان يرتبط بطبيعة النظرة إليها.
3- العُسر واقترانه باليُسر: كرّر الله تعالى التعبير عن الاقتران بين العسر واليسر مرّتين في سورة واحدة، فقال: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً*إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً﴾، وللآية دلالات واضحة لا تخفى على القارئ الكريم.
ومن هنا يتضح انه عليك ان لا تكن فريسة سهلة لهؤلاء الأشخاص وتلك المشاعر السلبية، وحاول أن لا تقلل ثقتك بنفسك مهما حصل، فكل إنسان له قدرات معينة هو الوحيد الذي يعلمها، فأنت لم تحلم عبثا بل تعرف أنك تستطيع فعل ذلك، حيث أنك إن ركنت إلى واقعك السلبي تصبح أسيراً وفقاً لما تؤمن به، فإذا كنت نسراً وتحلم لكي تحلق عالياً في سماء النجاح، فتابع أحلامك ولا تستمع لكلمات الدجاج الخاذلين لطموحك ممن حولك، فالقدرة والطاقة على تحقيق ذلك متواجدتين لديك بعد مشيئة الله سبحانه وتعالى واعلم بأن نظرتك الشخصية لذاتك وطموحك هما اللذان يحددان نجاحك من فشلك، لذا فاسع أن تصقل نفسك، وأن ترفع من احترامك ونظرتك لذاتك فهي السبيل لنجاحك.
اضافةتعليق
التعليقات