يتساءل الجميع أين قبرها؟ طالت السنون ولم نعلم أين يقع ذاك القبر؟! لم نجد لهذا السؤال جوابا، فوقفت ذات يوم على عتبات ارض البقيع أتساءل أين قبر البتول؟ أين دفنها علي عليه السلام أهي قرب مدفن أبيها؟! أم دفنها في بيتها أم في البقيع فقد اختلفت الروايات في موضع قبر فاطمة سيدة نساء العالمين: فمنهم من روى أنها دفنت في البقيع. ومنهم من روى أنها دفنت بين القبر والمنبر على حسب رواية الرسول (ص) قال:
«ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة» لأن قبرها بين القبر والمنبر. ومنهم من روى أنها دفنت في بيتها فلما وسّعت بنو أمية المسجد صار قبرها في المسجد .
فتجولت عيني ملئها الدمع حول البقيع وتلك الاسئلة تتردد في ذهني أين مدفن بضعة الرسول؟ لماذا قد خُفي قبرها؟ ألا يحق لنا ان نعرف ذلك القبر كي نجلس بين ذراتهِ.. يعتري قلبي شوق للجلوس عند حضرتها لكي احكي لها ما امر به او اطلب المدد منها والعون في اموري. ولكن تلك امنية لطالما تمناها محبوها ولكن دون جدوى. فهي التي طلبت من امير المؤمنين لكي يخفى قبرها فقد قرأت روايات عديدة حول ذلك فقد روي إن الزهراء (عليها السلام) قد أوصت أمير المؤمنين (عليه السلام) في أن يخفي قبرها (عليها السلام)، حيث روي عن الإمام الحسين (عليه السلام) قال: (لما مرضت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصّت إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن يكتم أمرها ويخفي خبرها، ولا يؤذن أحداً بمرضها، ففعل ذلك وكان يمرضها بنفسه وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس رضي الله عنها على الاستسرار بذلك كما وصّت به (أمالي المفيد ص 281 ح 7 , أمالي الطوسي ح 1 ص 107).
وقد تساءلتُ كثيراً عن سبب دفنها سرا واخفاء موقع قبرها فيكون جواب الامير علي عليه السلام لسؤالي هو (إنها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها وحرام على من يتولاهم أن يصلي على أحد من ولدها) (أمالي الصدوق ص 523) كما روي (لأنها أوصت أن لا يصلي عليها الرجلان الاعرابيان) (علل الشرائع للصدوق ج 1 ص 185).
فتساقطت دموعي حسرة عليها وانعصر قلبي لما مر بها وترددت على ثغري كلمات بل كانت صرخات أن من ظلم بضعة الرسول هم أنفسهم من حرمونا من ان نجلس على قبر البتول، هم أنفسهم من منع ان يكون للزهراء مرقد يتردد عليه محبوها وموالوها، هم أنفسهم من جعلونا نتحسر من أن نشعل شمعة على قبرها هم أنفسهم من جعلوا بقيع الزهراء مُظلما ..
وانا أردد هذه الكلمات تبادر لذهني سؤال؛ تُرى متى يُأخذ بحق الزهراء ممن ظلمها وآذاها، وهل يا ترى سنرى مرقداً لها بعد طول أنتظار فكما نحن نشتاق لذلك اليوم فهي روحي فداها تتطلع الى ذلك اليوم الذي سيظهر فيهِ ولدها الموعود، فهي تحنُّ وتشتاق لغائبها المرتقب وولدها الحبيب المهدي المنتظر "عليه السلام".
كيف لا؟! وهو الذي سيُنسيها كل الآلام واللوعات الأخرى، كيف لا؟! وهو الذي سيطالب بحقها وحق اهل بيتها، كيف لا؟! وهو الذي سيأخذ لها بثأر ولدها الحسين سيد الشهداء وسيد شباب اهل الجنة، فكيف لا تنتظرهُ ولا تجعل الشوق اليه جزءاً من لوعاتها وآهاتها في بيت أحزانها؟
ومما يمكن ان نستدل بهِ على حنينها ولهفتها لولدها الغائب "عليه السلام" بل ودعائها المستمر لهُ بالفرج هو ما ورد عن المعصومين "عليهم السلام" في فضل يوم التتويج المبارك لإمامنا الحجة عليه السلام وارتباط هذا اليوم بالزهراء روحي فداها ..
حيث ورد في البحار ج31ص122 عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام قال :
((حدثني أبي عليه السلام، ان حذيفة بن اليمان دخل في مثل هذا اليوم، وهو التاسع من ربيع الاول.. على جدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله، قال حذيفة: رأيت سيدي أمير المؤمنين مع ولديه عليهم السلام يأكلون مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله، وهو يتبسم في وجوههم عليهم السلام ويقول لولديه، الحسن والحسين عليهما السلام: كُلا هنيئاً لكما ببركة هذا اليوم.. فإنه اليوم الذي يُهلك اللّه فيه عدوه.. وعدو جدكما.. ويستجيب فيه دعاء اُمكُما..)) وبهذا نعرف بل ونتأكد من ان الزهراء عليها السلام كانت تُخصص جزءاً من وقتها المبارك في الدعاء لولدها المهدي "عليه السلام" وان يُعجل الله في قرب اليوم الذي يُتوّج فيه عليه السلام إماماً وخليفةً وقائداً لهذه الأمة بل وللعالم أجمع، اذاً لم يكن "بيت الأحزان" مكاناً لبكاء الزهراء واظهار حزنها فقط، بل كان مكاناً لدعائها عليها السلام بتعجيل الفرج لبقية الله في أرضه ..
فالأمام المهدي عليه السلام امتداد للزهراء البتول عليها السلام ومرآة تتجلّى فيها الزهراء عليها السلام بكامل صفاتها، فأهداف المهدي عليه السلام هي أهداف فاطمة عليها السلام، ونهجه نهجها، وسلوكه سلوكها. سنبقى ننتظر تلك الطلعة البهية التي تمحو آلام الزهراء، سننتظر ان تتعالى منارات قبرها الطاهر ويشع من ذلك القبر نوراً يصل الى عنان السماء، اللهم فعجل لوليك الفرج..
اضافةتعليق
التعليقات