نهضة الحسين عليه السلام تذكر الإنسان بمشاهد الآخرة لتقف أمام الدنيا في رغباتها وشهواتها المحرمة، وتجديد العهد وتذكير النفوس بالتعاليم الإلهية. تجديد العهد مع الأخلاق السامية والقيم النبيلة. تجديد العهد مع معاني التضحية والفداء، مع مبادئ الثوار الشرفاء.
إنها محطة مراجعة الحسابات لئلا تسرق الدنيا الإنسان وتنسيه نفسه. لذا كانت أرض كربلاء منارا للإستضاءة بنور الحسين لتذكير المؤمنين بالمبادئ والقيم والثورة ضد الظلم والجور على مر العصور. مستشهدة بدماء االحسين وأهل بيت النبوة وأصحابه.
تلك الواقعة الأليمة التي كلما أراد الطغاة محوها فما استطاعوا ولو بالقوة. وكل من حضر زيارة الأربعين متيقن إن هذه الزيارة هي روحانية تهوى إليها القلوب وتتسابق إلى أرضها الخطوات وتعجز منظمات العالم عن تنظيم تلك الجموع المليونية الوافدة وتقديم لها جميع الخدمات وفي ظروف ليست بالطبيعية.
حاول وعلى مر التاريخ العديد من الطغاة والديكتاتوريين قمعها وبأشد الطرق وحشية وإجراماً ولكن لم يفلحوا بل سقطت كل عروشهم العفنة على الجدار النوراني لهذه الزيارة العظيمة بل كان سقوطهم سريعاً لتتهاوى كل عروش الجبابرة والظالمين بفعل بركات هذه الزيارة الإلهية والتي هي محروسة وبعين الله سبحانه وتعالى وببركات الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس وأخته الحوراء زينب (عليهما السلام أجمعين).
وقد كانت زيارة بحق، زيارة حارَ الأعداء في معرفة والكشف عن السر في عظمتها وديمومتها على مر الزمان والتي هي باقية لحد ظهور قائم آل محمد الحجة المهدي(عج) زيارة العهد والولاء تحت قبة سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام.
ولهذا كانت لزيارة الأربعين خصوصية معينة، فيوم عاشوراء: هو يوم الفاجعة الكبرى؛ وهذا اليوم لا يمكن للموالين أن ينسوه، وأما الزيارة فكأنما كانت إرادة الله بها أن يُبقي هذهِ الجذوة مشتعلة، زيارة عظيمة الأثر، تسطر فيها أعظم الملاحم الإنسانية عبر التاريخ الإنساني ولتكون زيارة نورانية تكتسي فيها كل الإفاضات الإلهية والتي تعجز القلم عن الإحاطة بما تختزنه زيارة الأربعين من مكنونات ربانية ورحمانية يعجز عقلنا القاصر عن الإلمام بها وعن استيعاب المضامين الملكوتية لرب العالمين التي اختص بها هذه الزيارة الخالدة.
ومن هنا كان لابد من وجود مسلمات وقواعد يسير بموجبها الزائر عن قيامه بالمشي لتكون للزيارة طعمها وجوّها الإيماني والخالص لوجه الله سبحانه وتعالى.
فبدل أن تكون دنية، أسيرة للشهوات أو للغرائز أو للدنيا أو لحب البقاء، وبدل أن تكون ذليلة ورهينة السفاسف سوف تتصاعد وتحلق إلى المعالي، وتبني شخصية الإنسان في هذا المعسكر، وتتشبع فيها القيم والمعالي والفضائل والعزة.
ولذلك نرى كل المراقبين الدوليين المترصدين ومن مصادر عديدة يقرون بأن هذه الزيارة المليونية هي أكبر معهد ومعسكر تدريب للنفس البشرية بشكل عظيم، حيث يدربها على التضحية والفداء والعطاء. بحيث أي دولة كبرى لو أرادت أن تعبئ شعبها ولو لشرائح قليلة منه استعداداً لحرب مثلاً أو حرب طوارئ التي تطرأ على البلد فلا تستطيع أن تجند إلا القلة القليلة وبالترغيب والترهيب، بينما في زيارة الحسين(ع) نجد الملايين من البشر، بل زحف بشري ملاييني وطوعي من نفس البلد ومن خارجه، فما هذه القدرة في التعبئة؟!
ومن هنا كان لابد من أن تكون الزيارة محطة إيمانية عظيمة للمؤمن يتم فيها تجديد كل القيم ومعاني الولاء لله سبحانه وتعالى ولأهل بيت النبوة (صلوات الله عليهم أجمعين) ولتكون عبارة عن زخم جديد للمؤمن تعطيه اندفاعات قوية في المسير في طريق الإسلام المحمدي الأصيل والذي كان الحسين عليه السلام يمثل أحد الوجوه والمرتكزات الأساسية في المسير على نهج وفكر الحسين في القيام بنهضته والقيام بالإصلاح في أمه جده نبينا الأكرم محمد (ص) ولتكون بالتالي مسير المشاية من أي بقعة في العالم هو مسير إيماني ونوراني تشع من جوانبه كل الإفاضات الإلهية والذي يكون مسير هؤلاء الزوار المبارك برعاية الله سبحانه وتعالى وببركات الإمام الحسين(ع) والذي يكون حاضراً في كل مكان من مسير الزوار، هو وأخوه أبي الفضل العباس ويرافقهم في السير ابنه الإمام الحجة المهدي (عجل الله فرجه الشريف).
فلنحاول الإقتداء بأئمّتنا ماأمكننا ذلك، وإن عجزت أنفسنا بلوغ ماهم عليه صلوات الله عليهم فلا يبقى لنا سوى الورع والإجتهاد والعفّة والسداد عسى أن نفوز بمرضاة الله تعالى.
اضافةتعليق
التعليقات