تأتي الأيام وتذهب ولا يزداد العاشق للحسين إلا تعلقا وهياما.. إنه سحر الشهادة حين يتغلغل في حنايا أرواح التائقين للتحليق في فضاءات القيم والسمو في سماء المثل العليا.
حين تلج روح العاشق محراب شهادة السبط الشهيد سوف تتسربل تلك الروح بالنور لا محالة... فهي لا تملك إلا انعكاسات نور الحسين عليها... وهنيئا لها هذا النور البهي الألاء.
عبر مسيرة الزمن المنصرم جاء الكثير ممن رثوا موتاهم، وقرأنا الكثير من قصائد الرثاء لشعراء فقدوا واحدا أو اكثر من أحبائهم وأعزائهم.
فما هو معنى الرثاء؟
الرثاء كما عرفّوه هو: أسلوب من الأساليب الشعريّة التي تقوم على وصف خصال الميت الحسنة وتعدادها، مثل الكرم، والعفة، والشهامة، والحكمة، والعقل، ويكون الرثاء بإظهار مشاعر الفجع، والحزن، والعزاء على المتوفى.
ولعل أول من يتبادر إلى اذهاننا هو اسم الخنساء الشاعرة المخضرمة، والتي عاشت العصر الجاهلي ثم ادركت الاسلام.
لقد حفظ التأريخ للخنساء أشعارها الرثائية لأخويها صخر ومعاوية في الجاهلية، كما أن هناك الكثير ممن رثوا ابناءهم واخوتهم إلا أن تلك القصائد بقيت معدودة ومحدودة، وبعضها قد تلاشى مع غبار الزمن، واندثر مع رياح النسيان.
أما في الضفة الأخرى فهناك من الشعراء من بقي ذكره خالدا على مر العصور والأزمان.. وقصائده هي الأخرى تخلدت بخلود صاحب المصيبة واقصد به الامام الحسين بن علي عليه السلام.
لقد نال الامام الحسين عليه السلام من الرثاء ما لم ينله أحد قبله ولا بعده، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على عظم المصيبة وعظمة صاحبها، فليس كمثل مصيبة الحسين مصيبة، ولا يوم كيومه ولا مأساة كمأساته.
ولأن الحسين عليه السلام ثار لله وأعطى كل شيء لله، فإن الله عزوجل أعطاه خلود الذكر في الدنيا، ومقاما ساميا في الاخرة.. فهو سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة..
من هنا انبرى الشعراء منذ واقعة الطف وإلى يومنا هذا في رثاء المولى ابي عبدالله حبا له وعشقا لقيمه ومبادئه، وطمعا بعد ذلك بحب الله عزوجل (احب الله من احب حسينا).
اننا لو تتبعنا عدد الشعراء ممن رثى الحسين عليه السلام لطال بنا المقام، ولما استطعنا بهذه العجالة من احصاء قصائدهم ومراثيهم، فضلا عن اسمائهم.
إلا أن اسماءهم بقيت خالدة في سماء القريض، وارثهم الادبي بقي متوارثا عبر الأجيال المتعاقبة وهذه بلا شك كرامة من كرامات دماء سيد الشهداء.
لقد كُتبت اسماؤهم في سجل الخلود لأنهم قرنوها بأسم صاحب الثورة الخالدة.. ولأن الامام الحسين امتداد رسالي بما يمثله من نهج ثوري، ناهض الظلم وأسس لمنظومة توهج انساني متفرد بوجه الطغيان الأموي، فكانت واقعة الطف وقفة اسطورية لمجاهد قدم كل شيء لله.. هذه الوقفة انتجت دلالات بعيدة المدى في ثقافة الأجيال القادمة، ورسخت لمبادىء الرفض والإباء في ذاكرة الشعوب.
ولكي تبقى جذوة الرفض الحسينية متوهجة في الافاق، تنشر ضياءها على كل اصقاع المعمورة، كان لابد من وجود روافد تأخذ على عاتقها ايصال هذا التوهج، وابقاء جذوته متقدة، فجاءت دائرة المعارف الحسينية لتتبنى عبر موسوعتها كل ما يرتبط بتراث هذه الثورة الخالدة من شعر ونثر وبحوث ودراسات... ولا نجانب الصواب إذا قلنا: ان هذه الدائرة تعد بحق اعظم موسوعة عرفها التأريخ، فقد قاربت اجزاءها الستمئة مجلد، أما مؤلفها فهو الفقيه الدكتور محمد صادق الكرباسي ولا بأس أن اذكر هنا انّ الاعلامي والاكاديمي العراقي الاستاذ نضير الخزرجي اتصل بي لتدوين هويتي لادراجها في هذه الموسوعة، اذ كنت قد كتبت مقالا عن الامام الحسين قبل عشرين عاما تقريبا إلا ان اتصاله قد ذكرٌني بما نسيت.. ولله الحمد والمنّة فتلك نعمة كبيرة من الله سبحانه وتعالى (واما بنعمة ربك فحدّث).
من هنا ادعو جميع محبي أبي الأحرار، وإلى كل الاقلام المؤمنة بثورة السبط الشهيد إلى الكتابة عن الشهيد بل ادعوهم إلى:
الادمان في ذكر الحسين
والسباحة في بحر الحسين
والنهل من معين الحسين
والاصطفاف بصف الحسين
والمكوث في محطة الحسين
والذوبان في حب الحسين
فالحسين عليه السلام خالد ذكره.. عظيم شأنه وطوبى لمن رثاه وقرن اسمه باسمه..
(كيف ارثيك وقد أحييتني؟
انما ذكراك للأرواح قُوت)
انّ ذكرا نالني منه نصيب
كيف لا يُحييه سر الملكوت
فاستقمْ ياقلب في عشق هواك
وأدمْ ذكره في كل قنوت
واسقِ جدب الروح من عليائه
إن من يُرثيه حتما لن يموت.
اضافةتعليق
التعليقات