يوما ما طلبت منّا المعلمة أن نختار (قدوة الصف) وهو أجراء تربوي تحفيزي كان معمولا به بشكلٍ جدي في العقود المنصرمة، يحث الطلبة ليتسابقوا نحو الأفضل في النظافة والالتزام والتفوق، وانا امسك بالقلم وقصاصة الورق أمامي بادرتني رغبة لكتابة اسمي ولكن استوقفني عقلٌ ناطقٌ من داخلي فاستبدلته باسمِ إحدى زميلاتي, - وعلى مااعتقد كان اسمها يبدأ بحرف السين سلمى أو ربما سليمة -وبعد أن تمت عملية الترشيح بشكلٍ شفاف ولا غش فيه، فازت بأعلى الأصوات من اختارها عقلي بعفويته لتحصل على لقب القدوة لتفوقها الدراسي وشخصيتها الاجتماعية، فحلّقنا حولها فرحين وهي تضع علامة القدوة على صدرها كأنه وسام شرف.
الروح والرغبات هي من تختار قدوتها لتسير على منوالها وتسعى لتقف على نفس النقطة التي وصلت إليها، وفترة المراهقة هي أكثر الفترات التي يشعر بها المرء بالتشويش الذهني والبحث لاكتشاف النفس فنجد الفتاة مثلا قد ابتعدت عن قدوتها وان كانت الأخت الكبرى، الأب، الأم، الجدة .....الخ. وغالبا ما تقتدي بصديقات مغايرات لها في السلوك والذوق لتتأقلم معهن غير مكترثة بدرجة الكفاءة والمثالية فالاختيار بحرية هو كل ما يستهويها نابع من الرغبة الملحة في التجديد والتغيير، ولكن تبقى أعماق أعماقها متمسكة بأولئك الذين نشأت بينهم وأحبتهم وتعلقت بهم فلا تلتزم بصلاتها ولكن يريح مسمعها تهجد جدتها في أطراف الليل وأطراف النهار، وتكون أنانية وسريعة الانتقام ولكنها تذهل لصبر أمها الطويل وكيف تسامحها دائما وتزدرد أفعالها عن طيب خاطر، ومتسرعة في الكلام ولكن يعجبها حديث والدها الموزون.
وبينما تأخذها الأيام وتنطوي السنين وتجهدها التجارب تتبرعم روحها مختارة غير مرغمة لتأتسي بمن عشقتهم وتأثرت بهم في الطفولة والصبا لإكمال شوط حياتها، هكذا يكون الصنف الغالب من البشر.
ولهذا أكد ديننا الحنيف على أن يكون لكل منّا أسوة حسنة يقتدي بها منذ الصغر وأتذكر قول جميل للإمام الصادق عليه السلام : " لا طريق للأكياس من المؤمنين اسلم من الاقتداء لأنه المنهج الأوضح والمقصد الأصح".
فالمجتمع الذي يهتم بأنتاج فرد سليم ومفيد للاخرين تكون من اهم الشروط وضع قدوة حسنة يقتدي بها منذ الصغر لينقل له الافكار والقيم والسلوكيات الحسنة والتجارب المفيدة كنموذج حي امامه فالملقن الذي يلقن الدروس دون ايمان وصدق في الكلام لا يعود على المجتمع الاّ بالضرر مهما بلغ من الفصاحة والتاثير والفعالية.
اضافةتعليق
التعليقات