اجتمعتُ مع صديقات العمر في باحة المنزل على مائدة العشاء، وأصبحنا نراجع ذكريات الطفولة معاً، كل واحدة منا كانت تحلم بمستقبل عظيم.
فاطمة مثلا كانت تحلم أن تصبح طبيبة وتعالج جدتها المريضة، ولكن مع بالغ الأسف توفيت جدتها قبل أن تدخل فاطمة إلى الثانوية حتى... لكنها بقيت على عزمها وأصبحت طبيبة، وعاهدت نفسها أن تعالج كبار السن مجانا علّ جدتها تشعر بالسلام في قبرها.
وأما رانية فكان حلمها منذ الطفولة أن تصبح مذيعة مشهورة، ولكن اليوم هي معلمة في إحدى المدارس الحكومية، بينما كانت رانية تأكل شطيرتها بشهية قالت لها فاطمة: لماذا تخليتي عن حلم الطفولة يا رانيا؟
ردت عليها رانية بفم ممتلئ: بصراحة لم أتخل عنه، هو من تخلى عني...
ثم تنهدت قليلا وأكملت كلامها: طرقت كل الأبواب التي من الممكن أن توصلني بقناة محترمة أتعين فيها كمذيعة، ولكن كل الأبواب كانت موصدة في وجهي إلاّ باب التعليم، ولأني من عائلة ذات دخل محدود كما تعرفون، لهذا لم يكن أمامي خيارا آخر سوى الموافقة على مهنة التدريس... ولله الحمد راضية على عملي الآن وأحب طالباتي كثيرا وأشعر بأن ما اختاره الله لي أجمل بكثير، فقد تعلقت بعملي وأصبحت أرى نفسي معلمة أكثر من كوني مذيعة ولا أعتقد بأني سأتخلى عن مهنة التدريس يوما ما.
وعندما حان دور مريم، نظرتُ إليها مبتسمة وقلتُ لها: وماذا عنكِ أيتها المرأة الحديدية؟
ضحك الجميع، وقالت مريم: هل ما زلتِ تتذكرن حلمي؟ نعم كان حلمي أن أصبح يوما ما "المرأة الحديدية".
قاطعتها رانية: ولماذا المرأة الحديدية؟
ردت عليها مريم: لا أدري ربما لأن الغرب صورها لنا بأنها المرأة القوية التي لا يهزها شيء.
قلت: لماذا برأيكن سماها الغرب بالحديدية؟ لماذا لم يختاروا للمرأة معدنا آخر؟
الحديد يمتاز بالصلابة نعم ولكنه بشع، ولا يحمل أي معايير للجمال والأنوثة، إضافة إلى أنه رخيص ومتوفر في كل مكان وزمان!
بصراحة أنا أجد الألماس أنيقا ويليق بالمرأة أكثر من الحديد.
فالألماس أقوى من الحديد، ويحمل معيار الجمال والرقي، وإنه نادر وقليل التواجد، وغالي الثمن... إنه يحمل القوة والجمال في آن واحد!
برأيي المرأة الماسية تعبير ادق من المرأة الحديدية.
وما إن أكملت جملتي حتى وجدت الفتيات يحدقن بي مستغربات، سألتني مريم: فعلا يا جمانة لماذا لم تخطر على بالي هذه الفكرة مسبقا؟!
الغرب لم يختر لفظة المرأة الحديدية عبثا، فعلا إنه يريد امرأة قوية لكنها رخيصة ومتاحة!، يريد امرأة قوية لكنها فارغة من مقومات الجمال الحقيقي، يريدها قوية لكنها بعيدة تماما عن عوامل الرقي...
لأن القوة التي يريدها الغرب من المرأة هي القوة الفارغة، فالحديد ظاهره قوي إلا أن باطنه ضعيف، فقد يصاب بالاعوجاج بضربة بسيطة، وينصهر إذا سلط عليه النار..
هنالك تضليل اعلامي كبير على معدن الحديد، فقد انشهر بقوته وصلابته ولكن في الحقيقة هو أضعف بكثير مما يمكن تخيله، بالإضافة إلى أنه قبيح جدا ولا يحمل معايير الجمال الحقيقية، فقطعة الحديد الملونة الجميلة ستفقد لونها وتتآكل وستصدأ بمجرد تعرضها للرطوبة!
إذن لماذا كل هذه الدعاية والاعلان لهذا المعدن وهنالك معادن أخرى أقوى منه بكثير؟، فهل هنالك من يصدق بأن هذه الماسة الجميلة اللامعة هي أقوى من قطعة الحديد السوداء المتصدية!
هذا ما يفعله الغرب بنا تحديدا يا فتيات، يروج لنموذج المرأة القوية من الخارج التي تحمل معايير الجمال الزائفة ويبين بأنها الأقوى والأجمل وعلينا الإقتداء بها والسير على نهجها لنصبح نسخة مكررة منها... نسخة من المرأة الحديدية المتصدية!
فقطعة الحديد دائما عارية لأنها رخيصة! على عكس قطعة الألماس التي يضعونها بأفضل العلب لحمايتها والحفاظ عليها لكونها غالية!
وهذا ما يتوافق فعلا مع ما يقدمه الغرب من نماذج لنساء عاريات كاسيات بعيدات تماما عن الحجاب... لأنهن رخيصات أو بالأحرى وكما يقدمها الغرب حديديات!
بينما الأنموذج المثالي هي المرأة الماسية الثمينة والتي تتحلى بالقوة الفعلية، وتحمل في داخلها جميع معايير الجمال الحقيقية، وفي نفس الوقت رقيقة ولامعة وأنيقة... وصعبة المنال.
ولو دققنا في التاريخ وبحثنا جيدا بين صفحاته سنجد بأن من يطرح هذا النموذج الراقي للمرأة هو الدين الإسلامي فقط!
فهو يقدم نساء جميلات رقيقات شريفات وقويات لدرجة أصبحن رموزا في صفحات التاريخ يقتدي بهن النساء والرجال، كالسيدة الزهراء، والسيدة خديجة، وأم البنين، وأم وهب، وزوجة فرعون آسية...الخ.
ولكن أين هو نموذج المرأة الحديدية الذي يطرحه الغرب مقابل نموذج المرأة الماسية الذي يطرحه الإسلام؟ لا أحد بالتأكيد!
عم الصمت في أرجاء المكان، بدأنا نراجع حساباتنا مع كل النماذج الزائفة التي قدمها الغرب لنا سابقا بهدف الانحراف والتسقيط دون أن نشعر بأن هنالك خطرا يهدد كيان المرأة المسلمة في العالم.
تنفسنا الصعداء بعدما عرفنا الحقيقة وحمدنا الله كثيرا على هذه الصحوة، وعزمنا على أنفسنا أن نفضح هواجس الغرب في صناعة المرأة الحديدية المتصدية من منابرنا الخاصة والعامة، وأن نحاول بكل جهودنا أن نروج لنموذج المرأة المثالية الذي يطرحه الدين الإسلامي في العالم.
وفي نهاية الجلسة قالت رانيا مازحة:
فعلا المرأة الماسية بكل مقومتها هي الأفضل والأقوى وهي الإنموذج الحقيقي للمرأة المتكاملة في العالم، وإذا انتهى الأمر بي في حلبة المصارعة بالتأكيد سأختار أن أكون المرأة الماسية التي تواجه المرأة الحديدية، لأني قوية بإسلامي... والبقاء دائما للأقوى.
اضافةتعليق
التعليقات